في عاميتها المصرية، تقول: أكلت أكل - شربت شرب - نمت نوم - الأهلي لعب لعب.
ومن ذلك باب تعدي الأفعال بنفسها أو بحرف الجر، مثل شكرته وشكرت له، ونصحته ونصحت له، فلا يكاد الكتاب يستعملون إلا الأول ... إلى أبواب نحوية أخرى كثيرة أهملت وعطلت.
على أن من أبواب النحو التي كادت تختفي الآن تماماً، باب التوكيد اللفظي، وهو إعادة الكلمة بلفظها - والاستغناء عنه بالتوكيد المعنوي، وهو التوكيد بالنفس أو بالعين أو بكل وجميع، مع أن التوكيد اللفظي أوسع مجالًا من التوكيد المعنوي، كما قال علم الدين اللورقي الأندلسي المتوفى سنة ٦١١، قال:«لأنه يدخل في المفردات الثلاث - يعني الاسم والفعل والحرف - وفي الجمل، ولا يتقيد بمظهر أو مضمر، معرفة أو نكرة، بل يجوز مطلقاً»، الأشباه والنظائر النحوية ٢/ ٢٢٩.
ولعل الذي زهد الناس في أيامنا في استعمال التوكيد اللفظي، هو ما تلقوه في دراسة النحو، من مثل: جاء جاء محمد، أو جاء محمد محمد، وهذه أمثلة تعليمية، وفي مثل هذا يقول سيبويه كثيراً:«وهو تمثيل ولا يتكلم به»، ويقول ابن جني:«التمثيل للصناعة ليس ببناء معتمد» الخصائص ٣/ ٩٧، ولو التمس معلمو النحو أمثلة التوكيد اللفظي من الكلام الفصيح لوجدوا منه أمثلة ذوات عدد تغري باستعماله واعتياده، من نحو قوله تعالى: {كلا إذا دكت الأرض دكاً دكاً (٢١) وجاء ربك والملك صفاً صفاً (٢٢)} [الفجر: ٢١، ٢٢]، ومن نحو قول عروة بن أذنية:
لقد علمت وما الإشراف من خلقي ... أن الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى له فيعنيني تطلبه ... ولو قعدت أتاني لا يعنيني
وكل حظ امرئ دوني سيأخذه ... لا بد لا بد أن يحتازه دوني
ولعدم إلف الناس الآن لهذا التوكيد اللفظي يظن بعض من يقع إليه شيء منه أنه من باب التكرار الخاطئ.