للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* وحرم الله سبحانه قتلَ الرجلِ إذا أظهرَ الإسلامَ، وان غلَب على الظَّنِّ أنه فَعَلَهُ تَقِيّهً، فقال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا (٩٤)} [النساء: ٩٤].

وسببُ نزولها ما رواهُ البخاريُّ عن عطاءٍ عن ابن عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما - قال: كان رجلٌ في غُنَيْمَةٍ لَهُ، فلحقه المُسلمون، فقال: السلامُ عليكم، فقتلوهُ، وأخذوا غُنَيْمَتهُ، فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ إلى قوله: {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (٩٤)} (١) [النساء: ٩٤].

وقال ابنُ عباسٍ أيضًا - في رواية أبي صالح: - نزلت هذه في رجلٍ من بني مُرَّةَ بنِ عوف، يقال له: مِرْداسُ بنُ نَهيك، وكانَ من أهلِ فَدَكَ، وكان مُسْلمًا لم يُسْلِمْ من قومِه غيرُه، فسمعوا بِسَريَّةٍ لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - تريدُهم، وكانَ على السريةِ رجلٌ يقالُ له: غالبُ بنُ فَضالةَ الليثيُّ، فهربوا، وأقامَ الرجلُ؛ لأنه كانَ على دين المسلمين، فلما رأى الخيلَ، خاف أن يكونوا من غيرِ أصحابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فألجأَ غَنَمَهُ إلى عاقولٍ (٢) من الجبلِ، وصَعِد هو إلى الجبل، فلما تلاحقتِ الخيلُ، سمعهم يكبِّرون، فلما سمعَ التكبيرَ، عرفَ أنهم من أصحابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، كَبَّرَ ونزلَ وهو يقولُ: لا إلَه إلا اللهُ محمدٌ رسولُ اللهِ، السلامُ عليكم، فتغشَّاهُ أسامةُ بنُ زيدٍ فقتله، واستاقَ غَنَمَهُ، ثم رَجَعوا إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبروه، فَوَجَدَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك وَجْداً شديداً، وقد كانَ سبقَهم قبل ذلك الخبرُ، فقال رسولُ - صلى الله عليه وسلم -: "قَتَلْتُموهُ إرادَةَ ما مَعَهُ! "، ثم قرأ هذه الآيةَ على


(١) رواه البخاري (٤٣١٥)، كتاب: التفسير، باب: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} "، ومسلم (٣٠٢٥)، كتاب: التفسير.
(٢) عاقول: ما التبس من الأمور، وأرض عاقول: لا يُهتدى لها. "اللسان"، (مادة عقل) (١١/ ٤٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>