للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث، لا يثبتُ من جهةِ الإسناد، وإن كان أبو داودَ قد خرجه، قاله ابنُ عبدِ البَرِّ (١).

واحتجَّ الجمهورُ من طريقِ النظرِ بأنَ العَمْدَ هو القَصْدُ، والنيةُ لا يطَّلعُ عليها إلا اللهُ تعالى، وإنما الحكمُ بما ظهرَ.

* فمن قصدَ ضرب أحدٍ بآلةٍ تَقْتلُ غالِباً، كان عامِداً، ومن قَصَدَ ضربَ رجلٍ بعينه بآلةٍ لا تقتلُ غالباً، كانَ حكمُه متردداً بينَ العمدِ والخطأ في حَقِّنا، لا في حقيقةِ الأمر عند الله سبحانه.

* ثم اختلفَ الذين قالوا به في حقيقته.

فقال أبو حنيفة: كلُّ ما عدا الحديدِ من القصبِ والنارِ والحجرِ، فهو شبهُ العمد (٢).

وقال أبو يوسفَ: شبهُ العَمْدِ ما لا يَقْتلُ مثلُه (٣).

وقال الشافعيُّ: هو ما كان عَمْداً في الفِعْل، خَطَأً في القتلِ، أي: لم يقصدْ به القتلَ، فتولد عنه القتلُ، والخطأُ ما كان خَطَأً فيهما، والعَمْدُ ما كانَ عَمْداً فيهما (٤).

وهذا تحقيقٌ حسن، فالحنفيةُ نظروا إلى الآلةِ التي حَصلَ بها القتلُ، والشافعيُّ نظرَ إلى الآلةِ والأحوالِ التي كانَ من أجِلها القتلُ، ولكُلٍّ متمسَّكٌ


(١) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٨/ ٤٥).
(٢) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (٣/ ٢٠٠).
(٣) وهو قول محمد. انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (٣/ ٢٠٠)، و "الاستذكار" لابن عبد البر (٨/ ١٦٦).
(٤) وهو قول أحمد. انظر: "مختصر المزني" (ص: ٢٤٤)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (١٢/ ٢١٥)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (٨/ ١٦٦)، و"المغني" لابن قدامة (٨/ ٢١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>