للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعمل داودُ بأصله في اتباعِ الظاهر، وترك المعنى، فلم يحرمْ بالوُجور (١) واللُّدود (٢).

ووافقه عطاءٌ في الحُكم (٣).

وخالفهما سائرُ أهلِ العلم؛ لأن المعنى في لبن المرضعة هو ممازجةُ لبنِها لِلَحْمِ الطفل وعروقِه، فنباتُ لحمِه ودمِه من لبنها، فصار كبَضْعَةٍ منها، وهذا المعنى موجودٌ في الوجور واللدود (٤).

* فإن قيل: فهل تخصيصُ الله سبحانه الأمهاتِ والأَخَوات بالذِّكْرِ يدلُّ على أن مَنْ عداهُنَّ مِمَّنْ يُدْلي بجهةٍ غيرِ جهةِ الأمِّ بخلافهن، أو لا يَدُلُّ (٥)؟

فالجواب: أنه بمجردِ ذكرِه لا يدلُّ؛ لأنَّ الاسمَ من غير ذكر صفتِه لا يدلُّ؛ على أنَّ ما عَداهُ بخلافه، باتفاق الأصوليين، إلا أبا بكرٍ الدَّقَّاقَ، وإنما يدلُّ عليه قولهُ تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] بعدَ ذكرهِ لهذهِ المُحَرَّماتِ المَعْدودات، فيجوز أن يكونَ في التخصيصِ بذكرهنَّ دلالةٌ على أَنَّ مَنْ عداهُنَّ بخلافِهِنَّ، فلا حُرْمَةَ بينَ الرضيعِ والفَحْلِ، ومن يدلي به؛ كأخيه، فيجوزُ للرضيعِ أن يتزوَّجَ عَمَّته، ويجوز للفَحْلِ ولأخيهِ أن يتزوجَ المُرْضَعَةَ بلِبانه، ويجوز أن يكونَ هذا التخصيصُ للتنبيهِ على حكمِ


(١) الوَجور: الدواءُ يُوجَر في وسط الفم.
قال ابن السكيت: الوَجوز: في أيِّ الفم كان، واللدود في أحد شقّيه.
"اللسان" (مادة: وجر) (٥/ ٢٧٩).
(٢) اللَّدودُ: ما سُقي الإنسانُ في أحد شقّي الفم، ولديدا الفمِ: جانباه.
"اللسان" (مادة: لدد) (٣/ ٣٩٠)
(٣) انظر: "المجموع" للنووي (٢٠/ ٩٧).
(٤) انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (٢/ ٢٨).
(٥) في "أ": "وخالفهم بخلافه، أو لا دليل".

<<  <  ج: ص:  >  >>