للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمر الله سبحانه في هذه الآية وفي غيرِها بقتالِ المشركين حتى لا تكونَ فتنةٌ، ويكونَ الدينُ لله.

- والفتنَةُ هنا تَحْتملُ أن يكونَ المرادُ بها فتنةَ الرجلِ في دينِه، ويدلُّ عليه ما رويناه في "صحيح البخاري" عن نافعٍ: أنَّ رجلًا أتى ابن عمرَ (١) وقال: يا أبا عبد الرحمن! ما حملك على أن تَحُجَّ عامًا وتعتَمِرَ عامًا، وتتركَ الجِهَاد في سبيلِ الله -عزَّ وجَلَّ- وقد علمتَ ما رَغَّبَ اللهُ فيه؟ قال: يابن أخي! بُنِي الإسلامُ على خمس: إيمان بالله ورسوله، والصلواتُ الخمس، وصيامُ رمضان، وأداءُ الزكاة، وحَجُّ البيت. قال: يا أبا عبد الرحمن! ألا تسمعُ ما ذكرَ اللهُ في كتابهِ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: ٩] {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: ١٩٣]؟ قال: قد فعلْنا على عهدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -, وكان الإسلام قليلًا، وكان الرجلُ يُفْتَنُ في دينه؛ إما قتلوه أو عذبوه، حتى كثر الإسلامُ، فلم تكنْ فتنةٌ (٢)، الحديث.

- ويحتملُ أن يكونَ المرادُ بالفتنةِ الشِّرْكَ (٣)، ويدلُّ عليه قولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - "لا أزالُ أقاتلُ الناسَ حتَّى يقولوا: لا إلهَ إلا اللهُ، فإذا قالوها، فقد عَصموا


(١) في "أ": "أتى عمر" وهو خطأ. وذلك في فتنة ابن الزبير. انظر: "معالم التنزيل" للبغوي (١/ ٢٣٨).
(٢) رواه البخاري (٤٢٤٣)، كتاب: التفسير، باب: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ ...}.
(٣) وهو قول ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، والربيع بن أنس، والسدي.
انظر: "تفسير الطبري" (٢/ ١٩٤)، و"أحكام القرآن" للجصاص (١/ ٣٢٤)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (١/ ٢/ ٣٢٩)، و"تفسير ابن كثير" (١/ ٤٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>