للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويروى هذا القولُ عن زيدِ بنِ أسلمَ وابنِ شهابٍ (١).

والقول بالنسخ هو الصحيحُ والمُعَوَّلُ عليه.

* فإن قلتُم: فما حكم الَّذينَ لا يُطيقون الصومَ قبلَ النسخِ، وما حكمُهم بعدَ النسخِ؟

قلت: أوجبَ اللهُ الصيامَ على الجميع من المؤمنين، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: ١٨٣]، وهم من جُملةِ المؤمنين، ثم خَصّ المريضَ والمسافرَ بحُكْمٍ، وهو وجوبُ العِدَّةِ من أيامٍ أُخَرَ، وخصَّ الذين يُطيقونَ الصومَ بالذِّكرِ -أيضاً- لأجْلِ الرخصةِ لهم بالإفطار، وتركَ الذينَ لا يطيقونا على أصلِ الوُجوب، ولم يذكر الفديةَ في حَقِّهم؛ لأنها معلومةٌ بينةٌ من طريق الأَوْلى والأَحرى، إما نُطْقاً، أو قياساً فيها؛ لأنها إذا قُبلَتْ من الذي يطيقُ الصومَ، فالذي لا يطيقُهُ أولى بالقبولِ. ثم نسخَ اللهُ سبحَانَهُ حكمَ التَّخْيير عن الذين يطيقونَ الصومَ بقوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥]، وبين الله في الآية الثانية أن المريضَ والمسافرَ باقيان على حكمهما لمَّا كان يتطرَّقُ الظنُّ إلى نسخِ حكمِهما عندَ نسخِ حُكْمِ قرينتِهما، وتَرَكَ ذكرَ الذين لا يُطيقون الصومَ؛ لعدمِ تطرُّقِ الظنِّ إلى نسخِ حكمهم؛ فإنه معلوم أنّ اللهَ -سبحانَهُ- لم يحتِّمْ عليهمُ الصيامَ؛ لأنهم لا يطيقونه، وقد قال في آخر الآية: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥]، وتبيينُ آخرِ الكلام لأولهِ كثيرٌ في القرآن الكريم.

ويعضدُ هذا ما رُوي عن معاذٍ -رضي الله عنه- قال: لما قال الله عَزَّ وجلَّ ذكرُه: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: ١٨٤]، كان


(١) انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (١/ ٢٥٢)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٢/ ٢٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>