للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا بأن النبي جَمَع بين المغرب والعشاء بمزدلفة جَمْع تأخير.

فَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: دَفَعَ رَسُولُ اللهِ مِنْ عَرَفَةَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبِغِ الْوُضُوءَ، فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلَاةَ. فقال: «الصَّلَاةُ أَمَامَكَ» فَرَكِبَ، فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ، فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ (١). وفي رواية: «المُصَلَّى أَمَامَكَ» فحَدَّد الزمان بعد العشاء، والمكان بمزدلفة.

ونوقش بأن فِعْل النبي محمول على أنه الأَوْلَى والأفضل؛ لئلا يَنقطع سَيْره حتى يصل إلى المزدلفة، فيصلي هناك؛ لأن صلاة المغرب في عرفة أو الطريق، مع كثرة الناس وصعوبة الوضوء- فيها حرج، والله يقول: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨].

واستدلوا بعموم قول النبي : «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِجَمْعٍ» (٢). ونوقش بأنه ضعيف.

والراجح: أن جَمْع التقديم جائز، ولكن الأفضل جَمْع التأخير. وعلى هذا فمَن ركب القطار من عرفة، فوصل إلى مزدلفة قبل العشاء، فالسُّنة تأخير المغرب إلى العشاء، والجَمْع بينهما في المُزدلِفة.

المبحث الثالث: الجَمْع قبل الوصول للمزدلفة خَشية فوات وقت الصلاة.

السُّنة أن تُؤخَّر المغرب مع العشاء بمزدلفة، ولما قال أسامة للنبي : الصلاة. قال: «الصَّلَاةُ أَمَامَكَ» فهذا دليل ظاهر على أن الحاج لا يشتغل بالصلاة قبل الإتيان إلى مزدلفة، إلا مع شدة الزحام أو لكثرة السيارات، فيَجوز للحاج الجَمْع بين المغرب والعشاء قبل الوصول إلى مزدلفة؛ خَشية فوات وقت الصلاة، والله أعلم.

المبحث الرابع: الجَمْع بين المغرب والعشاء بإقامتين.

واختلف العلماء في هيئة الجَمْع بين الصلاتين في الأذان والإقامة على ستة أقوال:

القول الأول: أن يَجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين.


(١) أخرجه البخاري (١٣٩).
(٢) قال ابن حجر: أَخْرَجَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. «فتح الباري» (٣/ ٥٢٠).

<<  <   >  >>