للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الرابع: يُستحب الجَمْع بين الظُّهر والعصر يوم عرفة: وفيه ستة مطالب:

المطلب الأول: جَمْع الصلاتين في عرفة (١):

يُسَن للحاج الجَمْع بين الظُّهر والعصر يوم عرفة، في أول وقت الظُّهر بعد الخُطبة.

ففي حديث جابر: «ثم أَذَّن، ثم أقام فصلى الظُّهْر، ثم أقام فصلى العصر».

وقال ابن تيمية: النبي جَمَع بين الصلاتين بعرفة في وقت الأولى، وهذا الجَمْع ثابت بالسُّنة المتواترة وباتفاق المسلمين عليه (٢).

ولقول سالم للحَجَّاج يوم عرفة: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ اليَوْمَ فَاقْصُرِ الخُطْبَةَ وَعَجِّلِ الوُقُوفَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «صَدَقَ» (٣).

المطلب الثاني: سبب الجَمْع بعرفة والمزدلفة:

اختَلف أهل العلم في ذلك على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن سبب الجَمْع بعرفة والمزدلفة السفر، فلا يَجمع مَنْ كان دون مسافة قَصْر، كأهل مكة. وهذا مذهب الشافعية في المشهور، والحنابلة في الصحيح (٤).

واستدلوا بأن النبي لم يَجمع إلا في أسفاره، وكذا جَمَع النبي بعرفة والمزدلفة لأنه مسافر، وهو وَصْف مناسب ومعهود للجَمْع، ولا أثر للنسك في ذلك، بدليل عدم الجَمْع في مِنًى.

ونوقش هذا الاستدلال بأنه ليست العلة في الجَمْع مجرد السفر، بل العلة الاشتغال بالنسك، فيَجوز الجَمْع لكل أحد هناك، سواء كان مِنْ أهل مكة أو عرفات أو غيرهما.


(١) الجَمْع ضد التفريق، وهو ضم الشيء بعضه إلى بعض، والمراد بجمع الصلاتين شرعًا: هو أداء الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، تقديمًا أو تأخيرًا. «الموسوعة الكويتية» (١٥/ ٢٨٤).
(٢) «جامع المسائل» (٦/ ٣٣٦). نَقَل الإجماع على ذلك: ابن المنذر (٥٧)، وابن عبد البر في «الاستذكار» (٤/ ٣٢٥)، والنووي في «المجموع» (٨/ ٩٢)، وابن دقيق العيد في «إحكام الأحكام» (ص: ٢٢٠).
ولكن هذا الإجماع منخرم؛ فقد ورد قول لبعض الحنفية أنه يؤخر الجمع إلى آخِر وقت الظهر، كما في «البحر الرائق» (٢/ ٣٦٤) وهذا قول مهجور، يُخالِف فعل رسول الله ، فلا يُعَرَّج عليه.
(٣) رواه البخاري (١٦٦٣).
(٤) «الأم» (١/ ١٨٩)، و «المغني» (٣/ ٢٠٧)، و «الإنصاف» (٢/ ٣٢٠).

<<  <   >  >>