وأما الباطن فما ينال بالرأي والاجتهاد وفيه خلاف إلى آخر ما قال، وهو ظاهر في أنه - صلى الله عليه وسلم - على بصيرة في جميع ما يوحى إليه من القرآن لأنه جعله من القسم الأول من أقسام الوحي الظاهر، ويعلم منه عدم ثبوت تكلمه - صلى الله عليه وسلم - بما ألقى الشيطان لأنه عند زاعمه يكون قد اعتقده - صلى الله عليه وسلم - قرآنًا ووحيًا من الله تعالى فيجب على ما سمعت أن يكون - صلى الله عليه وسلم - قد علم ذلك علمًا ضروريًا فحيث أنه ليس كذلك في نفس الأمر يلزم انقلاب العلم جهلًا، واستثناء هذه المادة من العموم مما لا دليل عليه عند الزاعم سوى الخبر الذي زعم صحته وبنى عليه تفسير الآية بما فسرها به وذلك أول المسألة.
ودعوى أن التأديب بذلك على غير التمني مما لا تقتضيه الحكمة فلا يمكن وقوعه مما لم يقم عليه دليل، وقصارى ما تفيده الآية أن الإلقاء مشروط بالتمني أو في وقته بناءً على الخلاف في أن {إِذَا} للشرط أو لمجرد الظرفية وعند انتفاء ذلك الشرط أو عدم تحقق ذلك الوقت يبقى الإلقاء على العدم الأصلي إن لم يكن هناك ما يقوم مقام ذلك الشرط أو ذلك الوقت.
ولا شك أن صدور خلاف الأكمل لا سيما إذا كان كالتمني أو فوقه أو وقت صدوره مما يقوم مقام ذلك فيما يقتضيه فيلزم حينئذ أن يكون - صلى الله عليه وسلم - في كل وحي متوقفًا غير جازم بأن وحي لا تلبيس إلى أن يتضح له - صلى الله عليه وسلم - عدم صدور خلاف الأكمل بالنسبة إليه منه وفي ذلك من البشاعة ما فيه.
واعترض على قوله في الجواب أيضًا: إن ما قاله ابن العربي قياس مع الفارق الخ بأنه غير حاسم للقيل والقال إذ لنا أن نقول: خلاصة ما أشار إليه ابن العربي أنه قد صح بل تواتر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من رآني في المنام فقد رآني حقًا فإن الشيطان لا يتمثل بي" والظاهر أنه لا يتمثل به - صلى الله عليه وسلم - أصلًا لا للمخلصين ولا لغيرهم لعموم من ولزوم مطابقة التعليل المعلل وإذا لم يتمثل منامًا فلأن لا يتمثل يقظة من باب أولى، وعلله الشراح بلزوم اشتباه الحق بالباطل.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - خلق للهداية فلو ساغ ظهور إبليس بصورته لزال الاعتماد - صلى الله عليه وسلم - فلذلك عصمت صورته - صلى الله عليه وسلم - عن أن يظهر بها شيطان، ولا شك أن نسبة جبريل - عليه السلام - إليه - صلى الله عليه وسلم - وكذا إلى سائر إخوانه الأنبياء عليهم السلام نسبة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الأمة فإذا استحال تمثل الشيطان