للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلا وإن شفاعتهن لترتجى على المدح حتى سجدوا لذلك آخر السورة مع وقوعه بين ذمين المانع من حمله على المدح في البين كما لا يخفى على من سلمت عين قلبه عن الغين.

رابعًا: واعترض على الجواب الرابع بأن سجودهم كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخرًا بعد سماع قوله تعالى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ [النجم: ٢٣] فكان ينبغي التنبيه بعد السجود، ولعلهم أرجعوا ضمير {هِيَ} للأسماء وهي قولهم اللات والعزى ومناة كما هو أحد احتمالين فيه ذكرهما الزمخشري، فيكون المعنى ما هذه الأسماء إلا أسماء سميتم بها بهواكم وشهوتكم ليس لكم على صحة التسمية بها برهان تتعلقون به، وحينئذٍ لا يكون فيه دليل على رد ما فهموه مما ألقى الشيطان من مدح آلهتهم بأنها الغرانيق العلا، ويحتمل أنهم أولوه على وجه آخر وباب التأويل واسع.

واعترض على قوله في الجواب الخامس: إن هذا الاشتباه في حالة خاصة للتأديب لا يقتضي أن يكون - صلى الله عليه وسلم - على غير بصيرة فيما يوحى إليه في غير تلك الحالة بأن المعترض لم يرد أنه إذا اشتبه الأمر عليه - صلى الله عليه وسلم - مرة يلزم أن يكون على غير بصيرة فيما يوحى إليه في غيرها بل أراد أن اللائق بمقام النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكون على بصيرة في جميع ما يوحى إليه وأنه متى اشتبه عليه - صلى الله عليه وسلم - في حالة من الأحوال لم تبق الكلية كلية وهو خلاف المراد.

وفي التنقيح أن الوحي إما ظاهر أو باطن أما الظاهر فثلاثة أقسام، الأول: ما ثبت بلسان الملك فوقع في سمعه - صلى الله عليه وسلم - بعد علمه بالمبلغ بآية قاطعة والمراد بها كما قال ابن مالك: العلم الضروري بأن المبلغ ملك نازل بالوحي من الله تعالى والقرآن من هذا القبيل.

والثاني: ما وضح له - صلى الله عليه وسلم - بإشارة الملك من غير بيان بالكلام كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن روح القدس نفث في روعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقها. . ." (١)، وهذا يسمى خاطر الملك.

والثالث: ما تبدى لقلبه الشريف بلا شبهة بإلهام من الله تعالى بأن أراه بنور من عنده كما قال تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: ١٠٥] وكل ذلك حجة مطلقًا بخلاف الإلهام للولي فإنه لا يكون حجة على غيره.


(١) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (٢٠١٠٠)، وصححه الألباني في الصحيحة (٢٨٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>