وقدَّمَ الطوافَ لاختصاصهِ بهذا البيتِ، ثم الاعتكافَ لاختصاصهِ بجنسِ المساجدِ.
* ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ [الحج: ٢٧] أي: أعلِمْهم بهِ وادعُهم إليهِ، وبلِّغْ دانيَهم وقاصيَهم فرضَهُ وفضيلتَهُ؛ فإنكَ إذا دعوتَهم عن أمرِ اللهِ أتَوكَ حجاجًا وعمارًا، ﴿رِجَالًا﴾ أي: مشاةً على أرجلِهم من الشوقِ، ﴿وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ﴾ أي: ناقةٍ ضامرٍ تقطعُ المهامِهَ (١) والمفاوزَ، وتواصلُ السيرَ، حتى تأتيَ إلى أشرفِ الأماكنِ، ﴿مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ أي: مكانٍ وبلدٍ بعيدٍ.
وقدْ فعلَ الخليلُ ﷺ ذلكَ، ثم مِنْ بعدهِ ابنهُ محمدٌ ﷺ، فدعيَا الناسَ إلى حجِّ هذا البيتِ، وأبديَا وأعادَا فيه؛ فحصَلَ ما وعدَ اللهُ بهِ: أتاهُ الناسُ رجالًا وركبانًا من مشارقِ الأرضِ ومغاربِها.
* ثم ذكرَ فوائدَ زيارةِ بيتِ الله الحرامِ مرغبًا فيه، فقال: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ [الحج: ٢٨] أي: لينالُوا بوصولِهم لبيتِ اللهِ في الأنساكِ منافعَ متنوعةً دينيةً، ومنافعَ دنيويةً كالتكسبِ وحصول الأرباحِ، وهذا أمرٌ مشاهدٌ يعرفهُ كلُّ أحدٍ.
* فجميعُ العلومِ والعباداتِ الدينيةِ التي تُفعلُ في تلكَ البقاعِ الفاضلةِ، وما جعلَ اللهُ لها من التضعيفِ؛ داخلٌ في هذهِ المنافعِ.
* وجميعُ المنافعِ الدنيويةِ التي لا تعدُّ ولا تُحصَى داخلةٌ في ذلكَ.
فصدَقَ اللهُ وعدَهُ، وأنجزَ ما قالَهُ، وكان ذلكَ آيةً وبرهانًا على توحيدهِ وصدقِ رسلهِ.
(١) المَهَامِهُ: جمع المَهْمَه، وهي المفازة البعيدة. (لسان العرب: ١٣/ ٥٤٢).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute