* وهذا الأمرُ بتركِ البيعِ مؤقتٌ إلى انقضاءِ الصلاةِ: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ لطلبِ المكاسبِ المباحةِ، ﴿وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ أي: ينبغِي للمؤمنِ الموفقِ وقتَ اشتغالهِ في مكاسبِ الدنيا أنْ يقصدَ بذلكَ الاستعانةَ على قيامهِ بالواجباتِ، وأنْ يكونَ مستعينًا باللهِ في ذلكَ، طالبًا لفضلهِ، جاعلًا الرجاءَ والطمعَ في فضلِ اللهِ نصبَ عينيهِ؛ فإنَّ التعلقَ باللهِ والطمعَ في فضلهِ مِنْ الإيمانِ ومِن العباداتِ.
* ولما كان الاشتغالُ بالتجارةِ مظنةَ الغفلةِ عن ذكرِ اللهِ وطاعتهِ أمرَ اللهُ بالإكثارِ من ذكرهِ، فقالَ: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ أي: في حالِ قيامِكم وقعودِكم، وفي تصرفاتِكم وأحوالِكم كلِّها؛ فإنَّ ذكرَ اللهِ طريقُ الفلاحِ الذي هوَ الفوزُ بالمطلوبِ، والنجاةُ من المرهوبِ.
ومِن المناسبِ في هذا أنْ يجعلَ المعاملةَ الحسنةَ والإحسانَ إلى الخلقِ نصبَ عينيهِ؛ فإنَّ هذا من ذكرِ اللهِ، فكلُّ ما قربَ إلى اللهِ فإنهُ من ذكرهِ، وكلُّ أمرٍ يحتسبُهُ العبدُ فإنهُ من ذكرهِ: فإذا نصحَ في معاملتهِ وتركَ الغشَّ تقرَّبَ في هذهِ المعاملةِ إلى اللهِ؛ لأنَّ اللهَ يحبُّها، ولأنها تمنعُ العبدَ من المعاملةِ الضارةِ، وكلَّما سامحَ أحدًا، أو حاباهُ في ثمنٍ أو مثمنٍ، أو تيسيرٍ أو إنظارٍ، أو نحوهِ؛ فإنهُ من الإحسانِ والفضلِ، وهوَ من ذكرِ اللهِ، قالَ تعالى: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٧].
(١) كما جاء في حديث النبي ﷺ: «إنك لن تدع شيئًا لله إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه» (أحمد: ٣٨/ ١٧٠ رقم ٢٣٠٧٤).