حدثني أخوالي ووالدتي قالوا: كان بتلمسان الملك يحيى، فنزل يوماً في موكبه من مدينة أقادره يُريد المدينة الوسطى، بينهما بقيع فيهِ قبور، فبينما هو يسير وإذا برجلٍ مُتعبد يمشي لحاجته، فأمسك عنانه وسلم عليه، فردَّ الرجل العابد السَّلام، وكلَّمه بأشياء، وكان مما كلَّمه الملك أن قال له: أيها العابد! ما تقول في الصلاة في هذه الثياب التي عليَّ؟
فاستغرب العابد يضحك.
فقال له: مم تضحك؟
قال: من سُخف عقلك؛ ما رأيْتُ لك في هذه المسألة شبيهاً إلاَّ الكلب.
قال: وكيف؟
قال: الكلب يتمَعَّك في الجِيْفة، ويتلطَّخُ بدمها، فإذا أراد أن يبول رفع رجله حتى لا يُصيبه البول، وأنت بطنك حرامٌ كله، وتسأل عن ثيابك.
فاسْتعبر الملك، ونزل من حِيْنه عن دابته، وتجرَّد من ثيابه، فرمى عليه بعض العامة من أهل الدين ثوبًا، ثم قال لأهل دولته: انظروا لأنفسكم، فَلَسْتُ لكم بصاحب.
فاقتفى أثر العابد، فصعد معه إلى العبادة في موضعٍ عالٍ بقبة تلمسان، وأقام معه ثلاثة أيام، ثم أمره العابد بالاحتطاب، فجعل الملك يحتطب، ويبيع بسوق تلمسان، ويأكل ويتصدق بالفضل، فكان الناس إذا أتوا إلى العابد يسألونه الدعاء؛ يقول: اسألوا يحيى