للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو كسبٌ أو اختيارٌ البتَّة، بل هو مجبورٌ مقهورٌ لا اختيارَ له ولا فِعل، وبين القدريَّة النُّفاة الذين يجعلونه مستقلًّا بفعله، ولا يدخلُ فعلُه تحت مقدور الربِّ تعالى، ولا هو واقعٌ بمشيئة الله تعالى وقدرته.

فأثبتوا له فعلًا وكسبًا واختيارًا حقيقةً، هو متعلَّقُ الأمر والنهي والثواب والعقاب، وهو مع ذلك واقعٌ بقدرة الله ومشيئته، فما شاء الله من ذلك كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا تتحرَّكُ ذرَّةٌ إلا بمشيئته وإرادته، والعبادُ أضعفُ وأعجزُ أن يفعلوا ما لم يشأه الله ولا قدَّره ولا أقدَرهم عليه (١).

* وكذلك هم وسطٌ في المطاعم والمشارب بين اليهود الذين حُرِّمت عليهم الطيباتُ عقوبةً لهم، وبين النصارى الذي يستحلُّون الخبائث، فأحلَّ اللهُ لهذه الأمة الوسط الطيبات وحرَّم عليهم الخبائث.

* وكذلك لا تجدُ أهلَ الحقِّ دائمًا إلا وسطًا بين طرفي الباطل، فأهلُ السُّنة وسطٌ في النِّحَل، كما أنَّ المسلمين وسطٌ في الملل.

* وكذلك ما نحن فيه من هذا الباب؛ فإنهم وسطٌ بين النُّفاة الذين ينفونَ الأسبابَ جملة، ويمنعون ارتباطَها بالمُسبَّبات وتأثيرَها بها، ويَسُدُّون هذا الباب بالكلِّية، ويضطربون فيما ورد من ذلك، فيقابلون بالتكذيب منه ما يُمْكِنُهم تكذيبُه، ويُحِيلون على الاتِّفاق والمصادفة ما لا قِبَل لهم بدفعه، من غير أن يكون لشيءٍ من هذه الأمور مدخلٌ في التأثير، أو تعلُّقٌ بالسببيَّة البتَّة (٢).


(١) (ق، د): «لا قدره ولا قدرة عليه». (ت): «لا قدرة ولا قدرة عليه». (ط): «لا قوة له ولا قدرة عليه». والمثبت أشبه.
(٢) (ت): «مدخل أو متعلق بالسببية إليه».