للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وربما يقولون: إنَّ أكثر ذلك مجرَّدُ خيالاتٍ وأوهامٍ في النفوس، تنفعلُ عنها النفوسُ كانفعال أرباب الخيالات والأمراض والأوهام. وليس عندهم وراء ذلك شيء.

وهذا مسلكُ نفاة الأسباب وارتباط المسبَّبات بها، وهذا جوابُ كثيرٍ من المتكلِّمين (١).

والمسلكُ الثاني مسلكُ المُثبِتين لهذه الأمور، المعتقدين لها، الذاهبين إليها، وهي عندهم أقوى من الأسباب الحِسِّيَّة أو في درجتها، ولا يلتفتون إلى قدح قادحٍ فيها، والقدحُ فيها عندهم من جنس القدح في الحِسِّيَّات والضروريَّات.

ونحن لا نسلكُ سبيل هؤلاء ولا سبيل هؤلاء، بل نسلكُ سبيلَ التوسُّط والإنصاف، ونجانبُ طريقَ الجَور والانحراف، فلا نُبطِلُ الشرعَ بالقدر، ولا نكذِّبُ بالقدر لأجل الشرع، بل نؤمنُ بالمقدور ونصدِّقُ الشرع؛ فنؤمنُ بقضاء الله وقَدَره وشرعه وأمره، ولا نُعارِض بينهما فنُبطِل الأسبابَ المقدورة أو نقدحُ في الشريعة المنزَّلة، كما فعله الطائفتان المنحرفتان.

فإحداهما: أبطلَت ما قدَّره الله من الأسباب بما فَهِمَته من الشرع. وهذا من تقصيرها في الشرع والقدر.

والأخرى: توصَّلَت إلى القدح في الشرع وإبطاله بما شاهدَته من تأثير الأسباب وارتباطها بمسبَّباتها لمَّا ظنت أنَّ الشرع نفاها، فكذَّبت بالشارع.

فالطائفتان جانيتان على القدر والشرع.


(١) انظر: «المفهم» للقرطبي (٥/ ٦٢١)، و «مدارج السالكين» (٣/ ٤٩٦)، و «إعلام الموقعين» (٢/ ٢٩٨).