الرد على من يدعي أن للأولياء تصرُّفًا في الحياة وبعد الممات على سبيل الكرامة، وأن منهم أبدالاً ونقباء، وأوتادًا ونجباء، وسبعين وسبعة، وأربعين وأربعة، والقطب هو الغوث للناس. فقال:"هذا الكلام فيه تفريط وإفراط، بل فيه الهلاك الأبدي والعذاب السرمدي، لما فيه من روائح الشرك المحقق، ومصادمة الكتاب العزيز المصدق، ومخالفة لعقائد الأئمة وما اجتمعت عليه الأمة".
ثم أطال في مناقشته هذه الدعاوي، وقال في آخر البحث: إنها من موضوعات إفكهم، كما ذكره القاضي المحدث ابن العربي في "سراج المريدين" وابن الجوزي وابن تيمية.
أما ابن خلدون (١) فيكشف عن صلة هذه النظرية بما عند الإسماعيلية والشيعة، فيقول:"كان سلفُهم (أي الصوفية) مخالطين للإسماعيلية المتأخرين من الرافضة، الدائنين أيضًا بالحلول وإلهية الأئمة مذهبًا لم يُعرَف لأولهم، فأشرِبَ كلُّ واحدٍ من الفريقين مذهب الآخر، واختلط كلامهم وتشابهت عقائدهم، وظهر في كلام المتصوفة القولُ بالقطب، ومعناه رأس العارفين يزعمون أنه لا يمكن أن يساويه أحد في مقامه في المعرفة حتى يقبضه الله، ثمّ يورث مقامه لآخر من أهل العرفان. وقد أشار إلى ذلك ابن سينا في كتاب "الإشارات" في فصول التصوف منها، فقال: "جلّ جناب الحق أن يكون شِرعةً لكل وارد، أو يطلع عليه إلاّ واحدٌ بعد
(١) "مقدمة ابن خلدون" ص ٤٧٣، وانظر "شفاء السائل لتهذيب المسائل" له.