وقلب الدعوى ضربان؛ لأن الدعوى إما أن يكون الدليل مضمرا فيها، أو لا يكون.
فالأول: كقول الأشعري: "أعلم- بالضرورة- أن موجودا مرئي.
فهذه دعوى فيها الدليل مضمر، تقديره: لأنه موجود؛ لأن الوجود هو المصحح للرؤية عنده.
فيقول المعتزلى: أعلم- بالضرورة- أن كل ما ليس في جهة، لا يكون مرئيا.
فهذه الدعوى تقابل الأولى، من حيث إن الموجود ينقسم إلى: ما هو في جهة، وإلى ما ليس في جهة.
فالقول بأن ما ليس في جهة لا يكون مرئيا، يقابل قول القائل: "كل موجود مرئي"، ودليلها مضمر فيها، تقديره: أن انتفاء الجهة مانع من الرؤية.
وأما إن لم يكن الدليل مضمرا، فكما لو قال القائل في مسألة إفضاء النظر إلى العلم، أو مسألة التحسين والتقبيح: أعلم- ضرورة- أن النظر [لا] يفضى إلى العلم أو الكفر قبيح لعينه، والشكر حسن لعينه.
فيقول المعترض: أعلم- بالضرورة- أن النظر يفضى إلى العلم، وأن الكفر ليس قبيحا لعينه، [ولا الشكر حسنا لعينه].
فهذا عين مقابلة الفاسد بالفاسد، والمقصود منه استنطاق المدعى باستحالة دعوى الضرورة من جهة خصمه في محل الخلاف، فيقال: وهذا لازم لك أيضا.
وقد أورد الجدليون- أيضا- قلب الاستبعاد في الدعوى.
وذلك كما لو قال الشافعي- في إلحاق الولد بأحد الأبوين باختيار الولد له إذا تداعياه: ذاك تحكم بلا دليل.