والحق: أنه: إن كان المراد من الحسن كل ما رفع الحرج عن فعله، سواء كان عن فعله ثواب، او لم يكن، فالمباح حسن.
وإن أريد به ما يستحق فاعله بفعله التعظيم والمدح والثواب - فالمباح ليس بحسن.
الفرع الخامس: المباح، هل هو من الشرع؟!
قال بعضهم: ليس من الشرع؛ لأن معنى المباح: أنه لا حرج في فعله، وفي تركه، وذلك معلوم قبل الشرع؛ فتكون الإباحة تقريرا للنفي الأصلي، لا تغييراً؛ فلا يكون من الشرع.
والحق أن الخلاف لفظي؛ وذلك لأن الإباحة تثبت بطرق ثلاثة:
أحدها: أن يقول الشرع: إن شئتم فافعلوا، وإن شئتم فاتركوا.
والثاني: أن تدل أخبار الشرع على أنه لا حرج في الفعل والترك.
والثالث: ألا يتكلم الشرع فيه البتة، ولكن انعقد الإجماع مع ذلك على أن ما لم يرد فيه طلب فعل، ولا طلب ترك، فالمكلف فيه مخير، وهذا الدليل يعم جميع الأفعال التي لا نهاية لها.
إذا عرفت هذا، فنقول: إن عنى بكون الإباحة حكما شرعيا: أنه حصل حكم غير الذي كان مستمرا قبل الشرع - فليس كذلك بل الإباحة تقرير لا تغيير.
وإن عنى بكونه حكما شرعيا: أن كلام الشرع دل على تحققه، فظاهر أنه كذلك؛ لأن الإباحة لا تتحقق إلا على أحد الوجوه الثلاثة المذكورة.