والموضع الثَّالث: في فصِّلت، وقد زاد فيه تعالى التَّصريح بأنَّ ذلك العلاج السَّماوي يقطع ذلك الدَّاء الشَّيطاني، وزاد فيه أَيضًا أن هذا العلاج السَّماوي لا يُعطى لكلِّ النَّاس، بل لا يعطاه إلَّا صاحبُ النَّصيب الأوفر والحظ الأكبر، قال فيه في الإنْسيِّ:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[فصلت: ٣٤ - ٣٥]. وقال في نظيره الآخر:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[فصلت: ٣٦].
وبيَّنَ تعالى في مواضع أخرى أن ذلك الرِّفقَ واللِّينَ لخصوص المسلمين دون الكافرين، قال تعالى:{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}[المائدة: ٥٤] , وقال تعالى:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح: ٢٩] , وقال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}[التحريم: ٩] , فالشِّدَّة في محلِّ اللِّين حُمقٌ وخَرَق، واللِّين في محلِّ الشِّدَّة ضَعْفٌ وخَوَر.
إذا قيلَ حلمٌ قُلْ فلِلْحِلْم موضعٌ ... وحِلْمُ الفَتَى في غَيرِ موضعِهِ جَهْلُ