وما صح بيعه صحَّ قرضه (إلا بني آدم)؛ فإن بني آدم يصح بيعهم ولا يصح قرضهم، ويعني بذلك المماليك، إذا كان عند الإنسان مملوك فإنه يصح بيعه لا شك، لكن لا يصح قرضه. لماذا؟ لأنه لم تجر العادة بذلك، ولما في هذا من الإذلال للمسلِم؛ ولأنه يُخشى من الفتنة والفساد، يُخشى أن يقترض الإنسان أمَة ثم يجامعها لمدة أيام ثم يردها؛ لأن الإنسان إذا رد القرض وجب قبول عينه، فيُفضي إلى أن يستقرض الإنسان أمَة، ثم يجامعها مدة أيام، ثم يردها إلى مالكها.
وقال بعض العلماء: يصح قرض الذَّكر للذكر، يعني أن يقرض الإنسان رجلًا مملوكًا لشخص؛ وذلك لأنه مأمون أن يفعل به شيئًا، ويصح أن يُقرِض امرأة لمحارمها، ولكن هذا فيه إشكال؛ لأنه سيأتينا -إن شاء الله تعالى- في باب العتق أن من ملك ذا رحم محرم عليه فإنه يعتق.
على كل حال، استثناء المؤلف بني آدم له وجه، فيقال: بنو آدم يصح بيعهم ولا يصح قرضهم. الإبل؟
طالب: يصحُّ قرضها.
الشيخ: البقر، الغنم؟
طالب: يصح.
الشيخ:(إلا بني آدم، ويُملَك بقبضه فلا يلزم ردُّ عينه).
(يُملك بقبضه)، (يملك) الضمير يعود على القرض، أي: على المُقْرَض (يملك بقبضه)، فإذا قبضه المستقرض ملكه، وصار ملكُه عليه تامًّا، يجوز أن يبيعه وأن يؤجِره وأن يوقفه وأن يرهنه وأن يتصرَّف فيه تصرف الملاك في أملاكهم.
(فلا يلزم رد عينه) هذا مما يتفرع على قولنا: إنه يملكه، (فلا يلزم) أي: فلا يلزم المقترضَ ردُّ عينه؛ أي: عين القرض، لا يلزم ردُّ عينه؛ فلو طالب المقرِضُ المستقرضَ بأن يردَّه فله أن يقول: لا، أنا ملكتُه بقبضه، ولك عليَّ بدله، ولا يلزمني أن أرده بعينه، ولهذا قال:(لا يلزم رد عينه)، ولكن لو رد عينه وهي لم تتغير؛ فإنه إن كان مثليًّا لزم قبوله، وإن لم يكن مثليًّا لم يلزم قبوله، كما سيذكر المؤلف إن شاء الله.