قال:(والحلق والتقصير نسك) الحلق والتقصير نسك، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:«اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ»(٤)، وهذا حث على الحلق، ثم قال في الرابعة:«وَالْمُقَصِّرِينَ» وهذا أيضًا يدل على أن التقصير عبادة رُتبت عليها الرحمة، وإذا كان عبادة فهو نسك، وليس كما قيل: إنه إطلاق من محظور؛ لأن بعض العلماء يقول: الحلق ليس نسكًا في ذاته، لكنه علامة على الحل، حيث استباح ما كان محظورًا، ولكن هذا قول ضعيف، يقول شيخ الإسلام -رحمه الله: لو كان الأمر كذلك لكان لا فرق بين حلق الرأس وحلق العانة على القول بأن محظورات الإحرام تشمل جميع شعور البدن. وصدق رحمه الله.
وعلى القول بأنه إطلاق من محظور، قالوا: يجزئ لو يقصر أو يقص شعرتين أو ثلاث شعرات، كفى. وهذه كلها أقوال لا أصل لها؛ يعني: ليس لها دليل، والصواب: أن الحلق والتقصير نسك.
وإذا كان نسكًا فهل هو واجب أو سنة؟ نقول: إن وصف الله تبارك وتعالى المؤمنين بدخول البيت الحرام محلقين رؤوسهم ومقصرين، ومراده؟ ويش مراده؟ معتمرين، فأطلق الحلق والتقصير على العبادة، ولا يمكن أن يطلق بعض العبادة على جميع العبادة إلا وهو واجب فيها، وهذا استدلال قد لا يدركه كثير من الناس، فنقول: الصحيح أنه واجب.
ثم هل يلزم بتركه دم؟ نقول: نعم؛ لأن ترك الواجبات في الحج موجب للدم، كما سبق تقريره، وكما سبق أيضًا ذكر دليله، وأن على ذلك عامة العلماء، قال: لا يلزم بتأخيره دم، تأخيره إلى متى؟ أطلق المؤلف.
طالب: يوم القيامة.
الشيخ: لا، يمكن يموت قبل يوم القيامة، وإن طال التأخير، ولكن الصحيح أنه لا يجوز تأخيره عن شهر ذي الحجة؛ لأنه نسك، فهو من الحج، وقد قال الله تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}[البقرة: ١٩٧]، فلا يجوز أن يخرج شهر الحج إلا وقد أتم الإنسان جميع أنساك الحج.