الشاهد من هذا أن عمر رضي الله عنه لما أصاب هذه الأرض في خيبر، وكانت أحب إليه وأنْفَس مال عنده جاء يستشير النبي صلى الله عليه وسلم، يستشيره لسببين: الأول: سداد رأي الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فإنه أرجح الناس عقلًا وأسدهم رأيًا، والثاني: التشريع؛ لأنه لا يستطيع أن يشرع، فاستشارته تتضمن الأمرين: الاستنارة برأيه، والثاني: الاهتداء بشرعه، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام:«حَبِّسْ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْ بِثَمَرَتِهَا»(٨). يعني امنع أصلها لا يُباع، واجعل ثمرتها صدقة. ففعل عمر وتصدق بها في الفقراء، والمساكين، وابن السبيل، والضعيف، تصدَّق بها في مصالح الخير، فكان هذا أول وقْف في الإسلام.
السؤال الثاني: هل الوقْف سُنَّة، أو جائز، أو واجِب، أو مُحرَّم؟
طالب: جائز.
الشيخ: نقول: الأصل فيه الجواز، لكن إذا وقف للخير صار مُستحبًّا، ولا يجب إلا إذا نذره الإنسان، إذا نذر أن يُوقِف هذا الشيء لطلبة العلم مثلًا، هذا البيت لطلبة العلم، قال: لله عليَّ نذر أن أُوقِف هذا البيت لطلبة العلم؛ وجب عليه؛ لأن ذلك من الطاعة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:«مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ»(٩).
فالأصل فيه الحل، ويكون مستحبًّا إذا كان فيه طرق الخير، ويكون واجبًا بماذا؟ بالنذر، ويكون حرامًا إذا اشتمل على مُحرَّم، في مآله، أو في توزيعه، فمثلًا إذا وَقَّف على بعض ولده دون بعض صار حرامًا؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام:«اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ»(١٠).
إذا وقَّفَه على شيء مُحرَّم قال: هذا وقف على أهل الطبول، فيه ناس مثلًا يطلعون كل ليلة اثنين أو أحد للبَر، يضربون الطبول ويسهرون بالأغاني، قال: هذا وقْف على أهل الطبول والأغاني، يكون حلالًا ولَّا حرامًا؟