وسبق الخلاف في هذه المسألة، وبينا أن الطواف والسعي والرمي وما أشبهه كلها تعتبر أجزاء من عبادة واحدة، وأن النية في أولها كافية عن النية في بقية أجزائها؛ لأن هذه العبادة -الحج- عبادة مُكونة أو مركبة من هذه الأجزاء، فإذا نوى في أولها أجزأ عن الجميع، كما لو نوى الصلاة من أولها.
وأفادنا في قوله:(يطوف المفردُ والقارنُ) أن المتمتع لا يطوف، وليس كذلك، وإنما أراد -رحمه الله- بالنص على المفرِد والقارِن دفْع ما قيل: إن المفرِد والقارِن يطوفان للقدوم أولًا إذا لم يكونا دخلا مكة من قبل، ثم يطوفان للزيارة، فيلزمهما على هذا طوافان: الطواف الأول للقدوم، بشرط ألا يكونا دخلاها من قبل، والثاني للزيارة.
كيف لم يكونا دخلاها من قبل؟ هل يمكن هذا؟ هل يمكن للقارن والمفرد ألا يكونا دخلا مكة قبل طواف الإفاضة؟
نعم، يمكن؛ لأنه من الجائز لهما شرعًا أن يذهبا من الميقات رأسًا إلى منى أو إلى عرفة، بخلاف المتمتع، المتمتع لا يتأتى في حقه ذلك؛ لأن المتمتع لا بد أن يدخل مكة ويُتم عمرته.
فأراد المؤلف بالنص على المفرِد والقارِن دفع ما قيل من أنهما يطوفان للقدوم أولًا إذا لم يكونا دخلا مكة، ثم للزيارة.
وما ذهب إليه المؤلف -رحمه الله- هو الصواب، بل هو المتعين، وذلك أنه اجتمع عند المفرِد والقارن اللذين لم يدخلا مكة من قبل، اجتمعا لديهما طوافُ قدوم وطوافُ فرض، فاكتُفي بطواف الفرض عن طواف القدوم، كما لو دخل الإنسانُ المسجد، وقد أُقيمت الصلاة، أو لم تُقم، وأراد أن يصلي الفريضة، فإن ذلك يجزئ عن تحية المسجد، والقياس هنا في غاية الوضوح، قياس جلي واضح.
ثم إنه لم يُنقل عن النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه أن أحدًا منهم طاف مرتين في يوم العيد، مع أن بعض أصحابه لم يكن دخل مكة، مثل: عروة بن مُضرس، فإنه لم يدخل مكة من قبل.