الشيخ: اتفقت لغات الجزيرة، اللحم يعني: الهبر، وما عدا ذلك فإنه لا ينقض الوضوء؛ لأنه لا يدخل في اسم اللحم، وأيضًا الأصل بقاء الطهارة، ودخول غير الهبر دخول احتمالي، واليقين لا يزول بالاحتمال، فإذا أكل كرشًا أو أمعاء أو كلية أو كبدًا فإن هذا يحتمل أن يكون داخلًا في الحديث، ويحتمل أن يكون غير داخل، والأصل بقاء الطهارة حتى نتيقن وجود الناقض، وعلى هذا فلا ينقض.
وأيضًا فإن النقض بلحم الإبل أمر تعبدي غير معقول المعنى؛ يعني: نحن لا نعقل العلة، وإن كنا نعلم أنه ما من شيء حكم الله به حكمًا كونيًّا أو قدريًّا إلا وله حكمة، لكن لقلة علمنا يفوتنا كثير من الحكم، وما فاتنا حكمته من الأحكام فإننا نسميه اصطلاحًا: تعبديًّا؛ بمعنى أنه علينا أن نتعبد لله به وإن لم نعلم حكمته، وإذا كان أمرًا تعبديًّا فإنه لا يمكن الإلحاق والقياس؛ لأن من شرط القياس أن يكون الأصل معللًا؛ إذ إن القياس: إلحاق فرعٍ بأصل في حكم لعلة جامعة، وإذا كان لا بد من العلة فالأمور التعبدية غير معقولة المعنى، وحينئذٍ لا نلحق غير الهبر بالهبر، هذا هو حجة القائلين بأن لحم الإبل هو الهبر خاصة.
وقوله:(من الجزور) كلمة (من الجزور) تعني: الناقة، خرج به اللحم من غير الجزور حتى وإن شارك الجزور في الحكم، كالبقر مثلًا، البقرة تسمى: بدنة، ومع ذلك فإن لحمها لا ينقض الوضوء.
اللحم المحرَّم ينقض الوضوء ولَّا لا؟ يعني: لو اضطر الإنسان إلى أكل الميتة أو إلى أكل الحمار فله أن يأكل ولا ينتقض وضوؤه، فما عدا لحم الإبل لا ينقض الوضوء، سواء كان حلالًا، أو حرامًا أبيح للضرورة، أو حرامًا تجرأ الإنسان عليه من غير ضرورة فإنه لا ينقض الوضوء، لماذا؟ لأن الأصل بقاء الطهارة حتى يوجد دليل على النقض.