للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذن بمن تستعيذ من الله؟ تستعيذ من الله بالله، فهو الذي يعيذني مما أراد بي من سوء، ومعلوم أن الله تعالى قد يريد بك سوءًا، ولكن إذا استعذت به منه أعاذك، وفي هذا غاية اللجوء إلى الله، وأن الإنسان يقر بقلبه ولسانه أنه لا مرجع له إلا ربه سبحانه وتعالى.

ثم قال: (لا نحصي ثناء عليك) يعني: لا ندركه، ولا نبلغه، ولا نصل إليه.

والثناء هو: تكرار الوصف بالكمال، ودليل ذلك: قوله تعالى في الحديث القدسي: «إِذَا قَالَ الْإِنْسَانُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي» (٢٠)، فلا يمكن أن تحصي الثناء على الله أبدًا، ولو تبقى أبد الآبدين ما أحصيت ثناء على الله، وذلك؛ لأن أفعال الله غير محصورة، وكل فعل من أفعاله فهو كمال، وأقواله غير محصورة، وكل قول من أقواله فهو كمال، وما يدافع عن عباده أيضًا غير محصور فالثناء على الله به لا يمكن؛ يعني: لا يمكن أن يصل الإنسان مهما بلغ من الثناء على الله غاية ما يجب لله من الثناء.

وغاية الإنسان أن يعترف بالنقص والتقصير، فيقول: (لا أُحصي ثناء عليك؛ أنت كما أثنيت على نفسك) يعني: أنت يا ربنا كما أثنيت على نفسك، أما نحن فلا نستطيع أن نحصي الثناء عليك، وفي هذا من الإقرار بكمال صفات الله ما هو ظاهر معلوم.

ثم قال: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) يعني: يختم الدعاء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك من أسباب الإجابة؛ كما يروى ذلك في حديث فيه مقال: إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تصلي على نبيك (٢١).

وظاهر كلام المؤلف: الاقتصار على هذا الدعاء، ولكن لو أن الإنسان زاد فلا بأس؛ لأن المقام مقام دعاء، وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقنت بلعن الكافرين، فيقول: اللهم العن الكفرة (٢٢)، وهذا ليس في هذا الدعاء، مما يدل على أن الأمر في ذلك واسع.

<<  <  ج: ص:  >  >>