ثم وجه التفرقة بينهما: هو ما ذكروه من أن بول الغلام يقع في موضع واحد لضيق مخرجه وهو الإحليل، وبول الجارية يقع في مواضع لسعة مخرجه، وهو ما بين "اسكتي"(١) الفرج، فأمر في بول الغلام بالنضح، أي الصب في موضع واحد، وبالغسل في بول الجارية لتفرقه.
وقد يقال: إن بول الغلام مثل الماء، وبول الجارية ثخين أصفر يلتصق بالمحل، فقال:"ينضح بول الغلام" أي يسال عليه الماء من غير عرك؛ لسرعة زواله، كما أمر بالنضح على الثوب الذي أصابه المذي، وقال:"يغسل بول الجارية"، أي يصب الماء عليه ويعرك لبُطْء زواله، كما أمر به في غسل الثوب من دم الحيض بقوله - عليه السلام -: "حُتيَّه ثم اقرصيه بالماء".
وقال القاضي عياض: وجه التفرقة بين الغلام والجارية: اتباع ما وقع في الحديث، فلا يعلى به ما ورد به، وهذا أحسن من التوجيه بغير هذا المعنى مما ذكروه.
وقال أبو عمر بن عبد البر: حجة من قال بالتفرقة قوله - عليه السلام -: "يغسل بول الجارية وينضح بول الغلام" وهذا عند جميعهم ما لم يأكل الطعام. قال: والقياس أنه لا فرق بين بول الغلام والجارية، كما أنه لا فرق بين بول الرجل والمرأة، إلاَّ أن هذه الآثار -إن صحت ولم يعارضها مثلها- وجب القول بها إلَّا أن رواية من روى الصب على بول الصبي واتباعه الماء أصح وأولى.
وأحسن شيء في هذا الباب ما قالته أم سلمة قالت:"يغسل بول الغلام، يصب عليه الماء صبّا، وبول الجارية يغسل طَعِمَت أو لم تطعم" ذكره البغوي وهو حديث مفسر للأحاديث كلها، مستعمل لما حاشا حديث المُحِل بن خليفة الذي ذكر فيه الرش، وهو حديث لا تقوم به حجة، والمُحِلُّ: ضعيف، انتهى.
(١) قال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" (٣/ ٨): هما بكسر الهمزة وفتح الكاف، هكذا ذكره الجوهري في صحاحه، وأهل اللغة مطلقًا، قال الأزهري: هما حرفًا فرجها، قال وتفترق الإسكتان والشفران بأن الإسكتين ناحيتا الفرج، والشفرين طرفا الناحيتين.