به في جواز الرجوع في الهبة، وظاهره يدل على ذلك، وأما اشتراط الأجنبي في الرجوع فحجة أخرى على أن الرجلين اللذين اختصما إلى فضالة كانا أجنبيين، وكذلك عدم جواز رجوع أحد الزوجين فيما وهبه للآخر فبحجة أخرى على ما سيجيء إن شاء الله تعالى.
ص: وقد روي عن أبي الدرداء في ذلك أيضًا، ما حدثنا فهد، قال: ثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد، عن أبي الدرداء قال:"المواهب ثلاثة: رجل وهب من غير أن يستوهب فهي كسبيل الصدقة فليس له أن يرجع في صدقته، ورجل استوهب فوهب فله الثواب، فإن قبل على موهبته ثوابًا فليس له إلا ذلك وله أن يرجع في هبته ما لم يثب، ورجل وهب واشترط الثواب فهو دين على صاحبه في حياته وبعد موته".
فهذا أبو الدرداء قد جعل ما كان من الهبات مخرجه مخرج الصدقات في حكم الصدقات، ومنع الواهب من الرجوع في صدقته، وجعل ما كان منها بغير هذا الوجه ما لم يُشترط ثوابٌ مما يرجع فيه ما لم يثب الواهب عليه، وجعل ما اشتراط فيه العوض في حكم البيع فجعل العوض لواهبه واجبًا على الموهوب له في حياته وبعد وفاته، فهكذا حكم الهبات عندنا.
ش: أي قد روي عن أبي الدرداء عويمر بن مالك - رضي الله عنه - في حكم الهبة على التفصيل ما حدثنا فهد بن سليمان، عن أبي صالح عبد الله بن صالح شيخ البخاري، عن معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد المقرائي الحمصي .. إلى آخره.
وهذا إسناد صحيح.
قوله:"المواهب" جمع موهبة بمعنى الهبة كالمكارم جمع مكرمة.
قوله:"من غير أن يُستوهب" على صيغة المجهول، أي من غير أن يطلب منه الهبة.
قوله:"ورجل اسْتُوهب" على صيغة المجهول أيضًا أي طلبت منه الهبة.