للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التحريم بالرضاع كحكم هذين الصنفين، ولكنه اكتفى بذكرهما عن ذكر سائر من حرم بالرضاع ممن كان كمن حرم بالنسب، وكذلك قوله -عليه السلام-: "لا يحل لأحد أن يرجع" يشمل سائر الناس؛ لأن النكرة في خبر النفي تعم، ثم قال: "إلا الوالد لولده" على المعنى الذي ذكره، فدل ذلك على أن من سوى الوالد من الواهبين في رجوع الهبات إليهم برد الله -عز وجل- إياها كذلك؛ لشمول العلة، وقد قلنا: إن شمول العلة يستلزم شمول المعلول، وتلك العلة هي المعنى الذي ذكره من قوله: "فذلك عندنا والله أعلم على إباحته للوالد أن يأخذ ما وهب لابنه في وقت حاجته إلى ذلك وفقره إليه. . . ." إلى آخره.

ص: فلم يكن في شيء من هذه الآثار ما يدلنا على أن للواهب أن يرجع في هبته بنقضه إياها حتى يأخذها من الموهوب له ويردها إلى ملكه المتقدم الذي أخرجها منه بالهبة، فنظرنا هل نجد فيما روي عن أصحاب رسول الله -عليه السلام- في ذلك شيء؛ فإذا إبراهيم بن مرزوق حدثنا، قال: ثنا مكي بن إبراهيم، قال: ثنا حنظلة، عن سالم قال: سمعت ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: "من وهب هبة فهو أحق بها حتى يثاب منها بما يرضي".

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن داود بن الحصين، عن أبي غطفان بن طريف المزني، عن مروان بن الحكم، أن عمر بن الخطاب قال: من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها، ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد بها الثواب، فهو على هبته [يرجع] (١) فيها إن لم يرضى منها.

فهذا عمر - رضي الله عنه - قد فَرَّق بين الهبات والصدقات، فجعل الصدقات لا يرجع فيها، وجعل الهبات على ضربين:

فضرب منها صلة للأرحام، فرد ذلك إلى حكم الصدقات ومنع الواهب من الرجوع فيها.


(١) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

<<  <  ج: ص:  >  >>