للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} (١) ولم يذكر في التحريم بالرضاع غير هاتين، فكان ذكره ذلك دليلًا على أن سائر من حرم بالنسب في حكم الرضاع سواء، وأغناه ذكر هاتين بالتحريم [بالرضاع عن ذكر من سواهما في ذلك إذْ كان قد جمع بينهن في التحريم] (٢) بالأنساب فجعل حكمهن حكمًا واحدًا، فدل تحريمه بعضهن أيضًا بالرضاع أن حكمهن في ذلك حكم واحد، فكذلك رسول الله -عليه السلام- لما قال: "لا يحل لأحد أن يرجع في هبته" فعم بذلك الناس جميعًا، ثم قال: إلا الوالد لولده، على المعنى الذي ذكرنا دل ذلك على أن من سوى الوالد من الواهبين في رجوع الهبات إليهم برد الله -عز وجل- إياها كذلك، وأغناه ذكر بعضهم عن ذكر سائرهم.

ش: تقرير السؤال أن يقال: إن النبي -عليه السلام- اقتصر في الحديث المذكور على الوالد الواهب لولده، فهل هو تنصيص عليه في اختصاص الحكم المذكور له أم ليس كذلك، بأن يكون حكم الولد الواهب لأبيه خلاف حكم الوالد الواهب لولده؟

وتقرير الجواب أن يقال: بل حكمها سواء، وإنما تخصيصه -عليه السلام- الوالد الواهب بالذكر من باب الاكتفاء، وهو أن ذكره هذا على المعنى الذي ذكره يغني عن ذكر الاثنين وعن ذكر غيرهما ممن كان حكمهم في هذا مثل حكمهما؛ وذلك لأن الحكم إذا كان معلولًا بعلة في حق أحد فمتى وجدت تلك العلة في غيره يكون ذلك الحكم جاريًا فيه أيضًا؛ لشمول العلة، وشمول العلة يستلزم شمول المعلول، ثم نَظَّر لذلك بقوله: وقد قال الله -عز وجل-: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} (١) الآية، فالله تعالى حرم هؤلاء بالأنساب بالتنصيص عليهم، ثم ذكر الأمهات من الرضاع والأخوات من الرضاع حيث قال: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} (١) فنص على هذين الصنفين مع أن حكم غيرهما في


(١) سورة النساء، آية: [٢٣].
(٢) سقط من "الأصل، ك"، ولعله انتقال نظر من المؤلف -رحمه الله-، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

<<  <  ج: ص:  >  >>