ذكره تأييدًا لقوله:"لأن ما يجب للوالد من ذلك. . . ." إلى آخره. وتنبيهًا على الفرق بين الصدقة الراجعة إلى المتصدق بفعل الله والراجعة إليه بفعل نفسه.
بيان ذلك: أن قوله -عليه السلام-: "وجبت صدقتك ورجعت إليك حديقتك" في الحديث الذي أخرجه بإسناد صحيح عن يونس بن عبد الأعلى، عن علي بن معبد بن شداد، عن عبيد الله بن عمرو بن أبي الوليد الرقي، عن عبد الكريم بن مالك الجزري، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده - رضي الله عنه -، يدل على أنه -عليه السلام- قد أباح للمتصدق صدقته لما رجعت إليه بالميراث، ومنع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من ابتياع صدقته، حيث قال له:"لا تعد في صدقتك" وقد مَرَّ الحديث عن قريب في هذا الباب، فثبت بحديث عمرو بن شعيب إباحة الصدقة الراجعة إلى المتصدق بفعل الله تعالى؛ لأنه بطريق الميراث، وليس فيه مباشرة من العبد، وثبت بحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كراهية الصدقة، الراجعة إليه بفعل نفسه، لأنه مباشر في الابتياع، وكذلك وجوب النفقة للأب من مال الابن إنما هو لأجل الحاجة والفقر والضرورة وجبت له بإيجاب الله إياها، فلذلك أباح له النبي -عليه السلام- الارتجاع في هبته وإيقافها على نفسه، وجعل حكم ذلك كحكم الميراث لا حكم ما رجع إليه بطريق الابتياع والشراء، والله أعلم.
ص: فإن قال قائل: فقد خص النبي -عليه السلام- في هذا الحديث الوالد الواهب دون سائر الواهبين، أفيكون حكم الولد فيما وهب لأبيه خلاف حكم الوالد فيما وهب لولده؟
قيل له: بل حكمهما في هذا سواء، وذكر رسول الله -عليه السلام- أحدهما على المعنى الذي ذكرنا يجزئ من ذكره إياهما ومن ذكر غيرهما ممن حكمه في هذا مثل حكمهما، وقد قال الله -عز وجل-: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ}(١) فحرم هؤلاء جميعًا بالأنساب، ثم قال: