قوله:"وقد دخل في ذلك العود فيها بالرجوع والابتياع" أراد أن ظاهر قوله -عليه السلام- "لا يحل لواهب أن يرجع في هبته" مقابل بطريق العموم للعود في الهبة مطلقًا، سواء كان برجوعه عنها أو بشرائها من الموهوب له، فإنه ينطبق عليه أنه عائد فيها.
وقصد بهذا الكلام الرد والاعتراض على الشافعي حيث فرق في العود في الهبة بين الرجوع والابتياع؛ لأنه لم يَرَهُ كالعود إذا كان بطريق الرجوع، ورأى ذلك إذا كان بطريق الشراء وإن كان قد كرهه، والحال أن النص لم يفرق بين الأمرين.
قوله:"ثم استثنى من ذلك. . . ." إلى آخره إشارة إلى بيان معنى قوله: إلا الوالد لولده، وبيان تأويله أي قد استثنى رسول الله -عليه السلام- من قوله:"لا يحل لواهب أن يرجع في هبته" ما وهبه لولده، ووجهه أنه يباح له أن يأخذ ما وهب لابنه في وقت احتياجه إليه وفقره، لأن الأب إذا رجع عن هبته التي وهبها لولده وقت ضرورته وحاجته لا يوصف بأنه راجع، مثله فيه كمثل الكلب الراجع في قيئه بل إنما ذلك سائغ له حلال؛ لأجل فقره واحتياجه، فَعُلِمَ من ذلك أن إخراج الوالد للعود فيما وهب لابنه، كان للتنبيه على أنه لم يكن داخلًا في صدر الكلام بالكلية.
والشافعي ومن معه تعلقوا بظاهر الاستثناء، وأثبتوا الرجوع له لا من الوجه الذي ذكرناه، على أنهم تركوا العمل بظاهر الحديث؛ فإن الحديث لا ينطوي إلا على ذكر الوالد، وهم قد جعلوا الأم والأجداد والجدات من قبل الأب والأم كلهم كالوالد وهو خلاف ظاهر الحديث.
فإن قيل: ذكر الوالد يتناول الجدّ، كما في قوله تعالى:{كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ}(١) فجعل الله تعالى الجد والجدة أبوين والأم أيضًا وأنه يقع على الجنس.
قلت: نعم ذلك كما ذكرت ولكن ليس على الحقيقة وإنما هو على المجاز وكلامنا في الاستدلال بحقائق الألفاظ؛ فافهم.
قوله:"كما قد روي عن رسول الله -عليه السلام- في غير هذا الحديث. . . ." إلى آخره.