قوله:"فقال قائل" أراد به الشافعي؛ فإنه قال: قد دل هذا الحديث على تحريم الرجوع في الهبة من الرجل لغير ولده.
وبه قال أحمد.
وقال النووي في "الروضة": وأما الأم والأجداد والجدات من جهة الأب والأم فالمذهب أنهم كالأب، وفي قولٍ: لا رجوع لهم. وقيل: ترجع الأم، وفي غيرها قولان، وقيل: يرجع أباء الأب وفي غيرهم قولان، ولا رجوع لغير الأصول كالإخوة والأعمام وغيرهم من الأقارب قطعًا، وسواء في ثبوت الرجوع للوالد كان متفقين في الدين أم لا، ولو وهب لعبد ولده رجع، ولو وهب لمكاتب ولده فلا، وفي حاوي الحنابلة: لا يرجع الواهب إن وهب إلا الأب وفي الأم وجهان، وعنه: لا رجوع للأب، قال: وعنه إن تعلق به في عينه بأن يفلس الولد أو تزوج، وإلا يرجع.
قوله:"قيل له" أي لهذا القائل، وهذا جواب عما قاله الشافعي، بيانه أن يقال: لا نسلم أن يدل هذا الحديث على ما ذكرت؛ لأنه قد يجوز أن يكون مراد النبي -عليه السلام- من قوله:"لا يحل لواهب أن يرجع" تعليمًا منه إياه؛ لكراهته أن يكون لأحد من أمته مثل السوء، وهو أنه قد شبه الراجع في هبته في حديث آخر بالكلب الذي يقيء، ثم يعود في قيئه، والدليل على صحة هذا التأويل قوله -عليه السلام- في حديث آخر:"لا تحل الصدقة لذي مرة سوي" وقد أخرجه في باب الزكاة مسندًا، فإنه ليس معناه أن الصدقة تحرم على ذي مرة أي قوة، كما تحرم على الأغنياء، وإنما معناه: لا تحل له من حيث تحل لغيره من ذوي الضعف والزمانة، والعاجزين عن الكسب، فصار ذلك من باب التغليظ والتهديد، فكذلك قوله -عليه السلام- في هذا الحديث إنما هو على معنى: لا يحل لواهب أن يرجع كما تحل له الأشياء التي قد أحلها الله -عز وجل- لعباده، ولم يجعل لمن فعلها مثلًا سوءًا كمن جعل له مثلًا سوءًا لمن فعل ذلك من العائدين في هباتهم، فافهم.