قيل له: ما دل ما ذكرت على نسخ شيء مما تقدمه؛ لأن ذلك القول الذي كان من رسول الله -عليه السلام- يوم حنين قد يجوز أن يكون أراد به من قتل قتيلاً في [تلك](١) الحرب لا غير ذلك؛ كما قال يوم فتح مكة شرفها الله تعالى:"منن ألقى سلاحه فهو آمن" فلم يكن ذلك على كل من ألقى سلاحه في غير تلك الحرب، ولما ثبت أن الحكم كان قبل يوم حنين أن الأسلاب لا تجب للقاتلين، ثم حدث في يوم حنين هذا القول من رسول الله -عليه السلام-؛ فاحتمل أن يكون ناسخًا لما تقدم، واحتمل أن لا يكون ناسخًا له؛ لم نجعله ناسخًا له حتى نعلم ذلك يقينًا، ومما قد دل أيضًا على أن ذلك القول ليس بناسخ لما كان قبله من الحكم:
أن يونس حدثنا، قال: ثنا سفيان، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك، أن البراء بن مالك أخا أنس بن مالك بارز مرزبان الزارة فطعنه طعنة فكسر القربوس وخلص إليه فقتله فقوم سلبه ثلاثين ألفًا، فلما صلينا الصبح غدا علينا عمر -رضي الله عنه- فقال لأبي طلحة: إنا كنا لا نخمس الأسلاب وإن سلَبَ البراء قد بلغ مالاً، ولا أرانا إلا خامسيه. فقومنا ثلاثين ألفًا فدفعنا إلى عمر -رضي الله عنه- ستة آلاف".
فهذا عمر -رضي الله عنه- يقول: "إنا كنا لا نخمس الأسلاب" ثم خمس سلب البراء، فدل ذلك أنهم كانوا لا يخمسون ولهم أن يخمسوا، وأن الأسلاب لا تجب للقاتلين دون أهل العسكر، وقد حضر عمر -رضي الله عنه- ما كان من قول رسول الله -عليه السلام- يوم حنين: "من قتل قتيلاً فله سلبه" فلم يكن ذلك عنده على كل من قتل قتيلاً في [تلك](١) الحرب خاصةً. وقد كان أبو طلحة -رضي الله عنه- حضر ذلك أيضًا بحنين وقضى له رسول الله -عليه السلام- بأسلاب القتلى الذين قتلهم فلم يكن ذلك عنده موجبًا لخلاف ما أراد عمر -رضي الله عنه- في سلب المرزبان، وقد كان أنس بن مالك -رضي الله عنه- حاضرًا ذلك أيضًا من رسول الله -عليه السلام- بحنين، ومن عمر -رضي الله عنه- في يوم البراء، فكان ذلك عنده على ما رأى عمر -رضي الله عنه- لا على خلاف ذلك.
(١) في "الأصل، ك": "ذلك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".