قوله:"فلم أنشب" أي فلم ألبث، يقال: نشب بعضهم في بعض أي دخل وتعلق، ونشب في الشيء إذا وقع فيما لا مخلص له منه، ولم ينشب أن فعل كذا: أي لم يلبث، وحقيقته: لم يتعلق بشيء غيره ولا بسواه.
ص: وقد حدثنا إبراهيم بن أبي داود، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرني ابن أبي الزناد، قال: حدثني عبد الرحمن بن الحارث، عن سليمان بن موسى، عن مكحول، عن أبي سلام، عن أبي أمامة الباهلي، عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنهما- قال:"خرج رسول الله -عليه السلام- إلى بدر، فلقي العدو، فلما هزمهم الله؛ اتبعتهم طائفة من المسلمين يقتلونهم، وأحدقت طائفة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واستولت طائفة بالعسكر والنهب، فلما نفى الله -عز وجل- العدو ورجع الذين طلبوهم؛ قالوا: لنا النفل؛ نحن طلبنا العدو وبنا نفاهم الله -عز وجل- وهزمهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله -عليه السلام-: ما أنتم بأحق به منا، بل هو لنا؛ نحن أحدقنا برسول الله -عليه السلام-؛ لا ينال منه العدو غرة، وقال الدين استولوا على العسكر والنهب: والله ما أنتم بأحق به منا؛ نحن حويناه واستوليناه. فأنزل الله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ...} إلى قوله: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(١) فقسمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم عن بواءٍ، أفلا ترى أن رسول الله -عليه السلام- لم يفضل في ذلك الدين تولوا القتل على الآخرين؟
فثبت بذلك أن سلب المقتول لا يجب للقاتل بقتله صاحبه ما بجعل الإِمام إياه له على ما فيه صلاح المسلمين من التحريض على قتال عدوهم.
وقد حدثنا فهد، قال: ثنا الحجاج بن منهال، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن بديل بن ميسرة العقيلي، عن عبد الله بن شقيق، عن رجل من بلقين، قال: "أتيت النبي -عليه السلام- وهو بوادي القرى، فقلت: يا رسول الله لمن المغنم؟ قال: لله سهم، ولهؤلاء أربعة أسهم. قلت: فهل أحد أحق بشيء من المغنم من أحد؟ قال: لا، حتى السهم يأخذه أحدكم من جنبه فليس بأحق به من أخيه".