للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقدارها، فنقل أبو هريرة ذلك، وأخبر بالرخصة فيما كانت، ولا ينفي أن تكون تلك الرخصة جارية فيما هو أكثر من ذلك.

ش: هذا السؤال وارد على تأويل أبي حنيفة، حيث لم يقدر بخمسة أوسق ولا بما دونها. وحديث أبي هريرة يرده؛ لأن فيه توقيفًا على خمسة أوسق، وتنصيصه بذلك ينفي أن يكون حكم الأكثر من ذلك كحكم الخمسة أو ما دونها.

وأيضًا لو كانت العرية عطية -على ما ذكره- لما حددها وقصرها على خمسة أوسق، فقصره عليها يدل على أنها بيع رخَّص فيه واستثني من البيع المحرم الذي هو بيع الثمر بالتمر.

وتقرير الجواب أن يقال: لا نسلم أن التحديد بالخمسة ينفي أن يكون ما هو أكثر خارجًا عن حكم الخمسة، وإنما يلزم ذلك أن لو كان فيه شيء يدل على الحصر، نحو ما إذا قال: لا تكون العرية إلا في خمسة أوسق أو فيما دون خمسة أوسق، وليس نظم الحديث كذلك وإنما هو أنه -عليه السلام- رخص فيها لقوم في عرية كانت عندهم هذا المقدار، فنقل الراوي ذلك كما كان عليه أهل القضية وذلك لا ينفي أن تكون الرخصة فيما هو أكثر من ذلك، ثم العجب أنهم يجعلون الخمسة تحديدًا ويقصرون الحكم عليها، والحال أنها مشكوك فيها، والنهي عن المزابنة ثابت بيقين؛ فوجب أن لا يستثنى منها إلا الثابت بيقين، وهو أربعة أوسق، فافهم. والله أعلم.

ص: فإن قال قائل: ففي حديث ابن عمر وجابر -رضي الله عنهم-: "إلا أنه رخص في العرايا" فصار ذلك مستثنى من بيع الثمر بالتمر، فثبت بذلك أنه بيع ثمر بتمر.

قيل له: قد يجوز أن يكون قصد بذلك إلى المعرى، فرخص له أن يأخذ تمرًا بدلاً من ثمرٍ في رءوس النخل، لأنه يكون ذلك في معني البيع، وذلك له حلال، فيكون الاستثناء لهذه العلة، وفي حديث سهل بن أبي حثمة: "إلا أنه رخص في بيع العرية بخرصها تمرًا، يأكلها رطبًا" فقد ذكر للعرية أهلًا وجعلهم يأكلونها رطبًا، ولا يكون ذلك إلا ومَلَكها الذين عادت إليهم بالبدل الذي أُخِذَ منهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>