مما قال مالك؛ لأن العرية إنما هي العطية، ألا تري إلى الذي مدح الأنصار كيف مدحهم إذ يقول:
ليست بسَنْهَاءَ ولا رُجَبيَّة ... ولكن عرايا في السّنين الجَوَائِحِ
أي أنهم كانوا يعرونها في السنين الجوائح، فلو كانت العرية كما ذهب إليه مالك إذا؛ لما كانوا ممدوحين بها إذ كانوا يُعْطَون كما يُعْطَون، ولكن العرية بخلاف ذلك.
ش: أوَّل أبو حنيفة: معني العرايا بأن يهب الرجل رجلاً آخر ثمر نخلة أو نخلتين، فلم يسلِّم ذلك إليه ثم يبدو له -يعني يظهر له أن لا يُمَكِّنه من ذلك- فيعطيه مكان ثمر ما أعطاه تمرًا يابسًا، فيخرج بذلك عن إخلاف الوعد، وهذا هو معنى العرية عند أبي حنيفة وحكمها، ثم ادعي الطحاوي أن هذا التأويل هو أشبه وأولي التأويلين -أعني التأويل الذي أوله وتأويل مالك وذلك لأن العرية معناها: العطية، ألا تري إلى الذي مدح الأنصار بقوله: ليست بِسَنْهاءَ ... إلى آخره، ذكر العرايا وأراد بها العطايا، يعني أنهم كانوا يعرونها أي يعطونها في السنين الجوائح؟ ولو كانت العرايا كما ذهب إليه مالك؛ إذًا لما وقع كلام الشاعر مدحًا في حقهم، ولا كانوا هم ممدوحين بها، لأنهم كما كانوا يُعْطُون كانوا يُعْطَون أيضًا، فتقع المعاوضة؛ فلا يصير فيه فضل لأحدهما على الآخر.
فعلم من ذلك أن معنى العرية على ما قاله أبو حنيفة، لا على ما قاله مالك ولا غيره من الأئمة.
ثم اعلم أن قائل هذا الشعر هو سويد بن الصامت من شعراء الأنصار.
قوله:"ليست بسنهاء". أي ليست نخلهم بسنهاء، والسنهاء النخل التي تحمل سنة وتحول سنة فلا تحمل، وذلك عيب في النخل، فوصف نخله أنها ليست كذلك، ولكنها تحمل في كل عام، وهو على وزن صحراء، يقال: سَنَهَت النخلة وتَسَنَّهت إذا أتت عليها السنون والسَّنْهَة -مثل الجَبْهة- أصل السنة.