فإن قيل: قد يهلك. قلنا: وكذا سائر الأشياء، وليس هذا بيع ما ليس عند الإنسان، إذ المراد من ذلك ما ليس في ملكه، ولا خلاف في اللغة أن الإنسان يقول: عندي ضياع ودور أي في ملكي، وإن كانت غائبة، فإن قيل: الآبق متفق على منع بيعه فكذا الغائب.
قلنا: لم يُمتنع بيع الآبق لغيبته، بل لتعذر تسليمه كالطير في الهواء، وقال ابن حزم: إذا وصف الغائب عن رؤية وخبرة وملكه المشتري، فأين الغرر؟ ولم يزل المسلمون يتبايعون الضياع في البلاد البعيدة بالصفة، باع عثمان -رضي الله عنه- لطلحة أرضًا بالكوفة ولم يرياه، فقضى جبير بن مطعم أن الخيار لطلحة، وما نعلم للشافعي سلفًا في بيع الغائب الموصوف، ولا خلاف في اللغة أن ما في ملك بائعه هو عنده، وما ليس في ملكه فليس عنده وإن كان بيده.
قوله:"وإنما جاء الاختلاف في ذلك" أي في الحكم المذكور "ممن بعدهم" أي ممن بعد الصحابة، فجعلنا ذلك أي حكم خيار المتلقي خارجًا من قول النبي -عليه السلام-: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" فإذا خرج من ذلك، لم يثبت، ولا يكون خيار في عقد المتلقي للبائع، وأشار إلى الدليل على الخروج من ذلك بقوله:"وعلمنا أن النبي -عليه السلام- لم يعن ذلك" أي لم يقصد ذلك لإجماعهم أي لإجماع الصحابة "على خروجه منه"، أي على خروج حكم خيار المتلقي من قوله:"البيعان بالخيار ... " الحديث كما دل إجماعهم على تجويز السلم أنه خارج من نهيه -عليه السلام- عن بيع ما ليس عندك، وبهذا الحديث استدلت الشافعية على عدم جواز بيع ما لم يره، فإذا لم يجز لا يثبت فيه الخيار للمشتري؛ لأن الخيار يترتب على صحة البيع.
والجواب عنه ما ذكرناه الآن، على أنهم قد تركوا ظاهر هذا الحديث؛ إذ يجوز بيع ما ليس عنده اتفاقًا إذا كان رآه، ويبطل عندهم بيع ما عنده إذا لم يكن رآه، ذكره القدروي في "التجريد".