عن أقوال كما ذهبت إليه الحنفية فقد يعارضه قوله -عليه السلام-: "والبائع بالخيار إذا دخل السوق" فإنه -عليه السلام- أثبت الخيار بعد تفرقهما بالأقوال؛ لأنه لا شك أن عقد المتلقي يكون قبل دخول السلعة الأسواق.
وإن قلت: عن أبدان كما ذهبت إليه الشافعية، فقد يلزم هذا الجيب أن يقول بالخيار، في كل عقد ما لم يتفرق المتعاقدان بالأبدان، وهو لا يقول بذلك".
قوله: "وسنذكرها في موضعها" أي وسنذكر هذه الآثار التي وردت في خيار المتباعين ما لم يتفرقا، وموضعها هو الباب الذي يلي هذا الباب، فإنه عقد لها بابًا عقيب هذا الباب كما سنقف عليه إن شاء الله تعالى.
قوله: "فإن قال قائل ... " إلى آخره تقرير السؤال أن يقال: من اشترى شيئًا لم يره له الخيار عندك إذا رآه فلم لا تجعل خيار المتلقي كذلك قياساً عليه، والجامع: دفع الضرر عن المسلم؟
وتقرير الجواب أن يقال: إن خيار الرؤية لم يثبت قياسًا حتى يثبت خيار المتلقي أيضًا بالقياس، وإنما ثبت ذلك بحكم الصحابة -رضي الله عنهم- وإجماعهم عليه، ولم يختلف أحد منهم في ذلك، وذكر في "نوادر الفقهاء" لابن بنت نعيم: اجمع الصحابة على جواز بيع الغائب المقدور على تسليمه، وأن لمشتريه خيار الرؤية إذا رآه، وقال الطحاوي في كتاب اختلاف العلماء: قال الله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}(١) فأباح تعالى في التجارة عن تراض، ولم يفرق بين ما يُرى أو لم يُر، وأجاز -عليه السلام- بيع العنب إذا اسودَّ والحب إذا اشتدَّ وهما غير مرئيين، وأصحاب رسول الله -عليه السلام- جَوَّزوا بيع الغائب، وليس هو من باب الملامسة والمنابذة كما زعم أصحاب الشافعي، ولا من باب الغرر؛ لأن الغرر: ما كان على خطر لا يدري أيكون أم لا، كالطير في الهواء، والسمك في الماء، وما لا يقدر على تسليمه، كذا قال أهل اللغة، والغائب ليس كذلك.