وقال أبو عمر: وذهب مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور إلى أن ما صيد من أجل المحرم لم يجز أكله، وما لم يصد من أجله جاز له كله، وروي هذا القول عن عثمان، وبه قال عطاء في رواية، وإسحاق في رواية، وحجتهم حديث جابر الذي قد ذكر الآن، وقال: قال مالك: وإن أكل المحرم من صيد صِيد من أجله فداه، وهو قول الحسن بن حي والأوزاعي، وقال مالك: ما ذبحه المحرم فهو ميتة لا يحل لمحرم ولا لحلال، وقد اختلف قوله فيما صِيد لمحرم بعينه كالأمير وشبهه، هل لغير ذلك الذي صيد لأجله أن يأكله؟ والمشهور من مذهبه عند أصحابه أن المحرم لا يأكل ما صيد لمحرم معين أو غير معين، ولم يأخذ بقول عثمان لأصحابه حين أتي بلحم صيد وهو محرم:"كلوا فلستم مثلي لأنه صيد من أجلي".
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: كل صيد صاده حلال فلحمه حلال لكل محرم وحلال.
ش: أي خالف الفريقين المذكورين آخرون، وأراد بهم: مجاهدًا وعطاء -في رواية- وسعيد بن جبير وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا وأحمد -في رواية- فإنهم قالوا: الصيد الذي اصطاده الحلال لا يحرم على المحرم، وقال أبو عمر: وكان عمر بن الخطاب وأبو هريرة والزبير بن العوام ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير، يرون للمحرم كل الصيد على كل حال إذا اصطاده الحلال، سواء صيد من أجله أو لم يصد، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، لظاهر قوله تعالى:{لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}(١) فحرم صيده وقتله على المحرمين دون ما صاده غيرهم، وحجتهم حديث البهزي، وحديث أبي قتادة.
ص: وكان من الحجة لهم في حديث المطلب الذي ذكرناه: أن قول رسول الله -عليه السلام-: "أو يصاد لكم" يحتمل أن يكون أراد به أو يصاد ذلكم بأمركم فإن كان ذلك كذلك، فأنتم أيضًا كذلك تقولون: كل صيد صاده حلال لمحرم بأمره فهو حرام على ذلك المحرم.