الذي قد وضعه عنه هو الصيام الذي لا يكون له منه بُدّ في تلك الأيام كما لابُدّ للمقيم من ذلك.
وفي هذا الحديث ما دلَّ على هذا المعنى، ألا تراه يقول:"وعن الحامل والمرضع"، أفلا ترى أن الحامل والمرضع إذا صامتا رمضان أن ذلك يُجزئهما، وأنهما لا يكونان كمن صام قبل وجوب الصوم عليه، بل جُعِلَتا يجب الصوم عليهما بدخول الشهر، فجعل لهما تأخيره للضرورة؟ والمسافر في ذلك مثلهما. وهذا أولى ما حمل عليه هذا الأثر حتى لا يضادّ غيرَه من الآثار التي قد ذكرناها في هذا الباب.
ش: أي: وكان من الذي احتج به أيضًا أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه من أن الصوم مرفوع عن المسافر حتى إنه إذا صام لا يجوز عند بعضهم، كما قد مَّر بيانه.
قوله:"ما قد ذكرناه" في محل الرفع؛ لأنه اسم كان، وأراد بـ"غير هذا الموضع" باب صلاة المسافرة فإنه أخرج فيه من حديث عبد الله بن الشخير، عن رجل من بلحريش، أن النبي - عليه السلام - قال:"إن الله قد وضع عن المسافر الصيام" ورواه بوجوه مختلفة هناك، واحتج به هؤلاء وقالوا: لما كان الصيام موضوعًا عن المسافر كان إذا صامه فقد صامه والحال أنه غير مفروض عليه؛ فلا يجزئه، وقد استدل ابن حزم أيضًا بهذا الحديث على أن الإفطار في السفر فرض في شهر رمضان، فقال: أسقط الله تعالى بهذه الأخبار عن المسافر الصوم ونصف الصلاة، فإذا صامه لم يجزئه عن رمضان.
وأجاب عن ذلك بقوله:"فكان من الحجة للآخرين عليهم"، أي: فكان من الجواب للآخرين وهم الذين ذهبوا إلى تخيير المسافر في الصوم والإفطار "عليهم" أي: على أهل المقالة الأولى "في ذلك" أي: فيما احتجوا به "أنه" أي: أن الشأن "قد يجوز أن يكون ذلك الصيام الذي قد وضعه عنه" أي: عن المسافر "هو الصيام الذي لا يكون له منه بُدّ في تلك الأيام " وأراد بها: الأيام التي لم تكن رخصة الإفطار فيها مشروعة يعني: أن الصيام الذي وضعه الله عن المسافر في هذا الحديث هو الصيام الذي كان