عليه فرضًا في السفر كما كان فرضًا على المقيم، ثم لما رخص الله بالإفطار للمسافر وضع عنه الصيام إلى وقت آخر. وقد دل على هذا المعنى قوله في الحديث:"عن الحامل والمرضع" أي: وضع الصوم أيضًا عن الحامل والمرضع إذا خافتا على ولدهما، ومع هذا لو صامتا عن رمضان فإنه يجزئهما عنه؛ لأن الصوم وجب عليهما بدخول الشهر، غير أنه أبيح لهما الإفطار للضرورة، فإذا أقدمتا عليه جاز عن فرضهما، وكذلك المسافر وجب عليه الصوم بدخول الشهر، غير أنه أبيح له الإفطار لمشقة السفر، فإذا أقدم
عليه جاز عن فرضه.
فهذا تحقيق ما قاله الطحاوي، وقد قال أبو بكر الرازي: إن قوله - عليه السلام - هذا يدل على أن الفرض لم يتعين على المسافر بحضور الشهر، وأن له أن يُفطر فيه، ولا دلالة فيه على نفي الجواز إذا صامه، كما لم ينف جواز صوم الحامل والمرضع، وفيه من المخالفة لما قاله الطحاوي على ما لا يخفى، والذي قاله الطحاوي هو التقريب؛ فافهم.
ص: وكان من الحجة على أهل المقالة الأولى التي قد ذكرناها لأهل المقالة الثانية التي قد وصفناها: أنا قد رأيناهم كانوا مع رسول الله - عليه السلام - بعد أن أباح لهم الإفطار في السفر يصومون فيه.
فمما روي في ذلك:
ما حدثنا يزيد بن سنان وربيع الجيزي وصالح بن عبد الرحمن، قالوا: حدثنا القعنبي، قال: ثنا هشام بن سعد، عن عثمان بن حيان الدمشقي، عن أم الدرداء، قالت: قال أبو الدرداء: "لقد رأيتنا مع رسول الله - عليه السلام - في بعض أسفاره في يوم شديد الحر حتى إن الرجل ليضع يده على رأسه لشدة الحر وما منا صائم إلا رسول الله - عليه السلام - وعبد الله بن رواحة".
حدثنا محمَّد بن عمرو، قال: ثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن أبي نضرة، عن جابر - رضي الله عنه - قال:"كنا مع رسول الله - عليه السلام - في سفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، فلم يكن يعيب بعضنا على بعض".