للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الجصاص: في هذه الآية دلالة واضحة على أن الإفطار في السفر رخصة يسر الله بها علينا، ولو كان الإفطار فرضًا لازمًا لزال فائدة قوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (١). لأن قوله {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} يدل على أن المسافر يتخير بين الإفطار وبين الصوم، كقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} (٢)، وقوله: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (٣) فكل موضع ذكر فيه التيسير ففيه الدلالة على التخيير.

ص: فإن قال قائل: فما معنى قول ابن عباس في حديث عبيد الله بن عبد الله الذي ذكرته عنه في ذلك: "وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله - عليه السلام -"؟.

قيل له: معنى ذلك عندنا -والله أعلم- أنهم لم يكونوا علموا قبل ذلك أن للمسافر أن يُفطر في السفر كما ليس له أن يُفطر في الحضر، وكان حكم الحضر والسفر في ذلك عندهم سواء، حتى أحدث لهم رسول الله - عليه السلام - ذلك الفعل الذي أباحه لهم من الإفطار في أسفارهم، فأخذوا بذلك على أن لهم الافطار على الإباحة، ولهم ترك الإفطار.

فهذا معنى حديث ابن عباس هذا، ويدلك على ذلك ما قد ذكرناه عنه من قوله الذي وصفنا، وقد ذكرنا عن أنس بن مالك ما يدل على أن معنى ذلك عنده مثل معناه الذي ذكرناه عن ابن عباس.

حدثنا إبراهيم بن محمَّد بن يونس، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا سفيان، عن عاصم -وهو الأحول- قال: "سألت أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن صوم شهر رمضان في السفر، فقال: الصوم أفضل".

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا الحسن بن صالح، عن عاصم، عن أنس قال: "إن أفطرت فرخصة، وإن صمت فالصوم أفضل".


(١) سورة البقرة، آية: [١٨٥].
(٢) سورة المزمل، آية: [٢٠].
(٣) سورة البقرة، آية: [١٩٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>