الآثار مباحًا، وقد قال ابن عباس - رضي الله عنهما - وهو أحد من رُوي عنه في إفطار النبي - عليه السلام - ما ذكرنا.
ما حدثنا يونس، قال: ثنا علي بن معبد، قال: حدثني عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم بن مالك، عن طاوس، عن ابن عباس قال:"إنما أراد -عز وجل- بالفطر في السفر التيسير عليكم، فمن يُسِّر عليه الصيام فليصم، ومَن يُسِّر عليه الفطر فليفطر".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس قال:"إن شاء صام وإن شاء أفطر".
فهذا ابن عباس لم يجعل إفطار النبي - عليه السلام - في السفر بعد صيامه فيه ناسخًا للصوم في السفر، ولكنه جعله على جهة التيسير.
ش: تقرير السؤال أن يقال: إن فطر رسول الله - عليه السلام - في سفره بعد صومه، وأمَره أيضًا للناس بالفطر بعد صومهم يدلان على أن الصوم في السفر منسوخ.
وهذا السؤال من جهة مَن يقول بعدم جواز الصوم في السفر، وهو قول الظاهرية أيضًا، ولهذا صرَّح ابن حزم بانتساخ حكم الصوم في السفر.
وتقرير الجواب أن يقال: لا نسلِّم صحة دعوى النسخ، وما دليلك على هذا؟ بل الدليل يدل على أن الصوم في السفر بعد إفطار النبي - عليه السلام - فيه مباح، وذلك قول أبي سعيد الخدري في حديثه الذي رواه عنه قزعة بن يحيى المذكور عن قريب:"ثم
لقد رأيتني أصوم مع رسول الله - عليه السلام - قبل ذلك وبعد ذلك".
قوله:"بعد ذلك" يدل على أنه كان يصوم مع النبي - عليه السلام - بعده إفطاره - عليه السلام - في السفر وأمره الناسَ بذلك؛ فدل على أن حكم الصوم في السفر باقٍ، وأنه غير منسوخ.
ثم أكد ذلك بقوله: وقد قال ابن عباس وهو أحد من روي عنه.
أي: والحال أنه أحد من روي عنه في إفطار النبي - عليه السلام - ما ذكرنا.