للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من لم يجوز الصوم في السفر، وفيها بيان إباحة الإفطار في السفر، وفيها أن الاتباع في أفعال النبي - عليه السلام - وأقواله بالأحدث فالأحدث، وبالآخِر فالآخر.

الثاني: من حديث جابر، استدل به من يقول: إن الصوم لا ينعقد في السفر، وكذلك استدل به ابن حزم حتى قال: إن كان صومه لرمضان فقد نسخه بقوله: "أولئك العصاة" وصار الفطر فرضًا، والصوم معصيةً، ولا سبيل إلى خبر ناسخ لهذا، وإن كان صومه تطوعًا فهذا أحرى للمنع من صيام رمضان لرمضان في السفر.

قلنا: هذا تخبيط؛ فليس ها هنا نسخ ولا فرضية الفطر ولا صوم النبي - عليه السلام - كان تطوعًا، وإنما قال: "أولئك العصاة"؛ لأن الصوم كان قد شق عليهم فأمرهم بالإفطار دفعًا لتلك المشقة، فصار الصوم في ذلك الوقت في تلك الحالة منهيًّا عنه، فلما بلغه أن بعضهم قد صاموا قال: أولئك العصاة؛ لارتكابهم المنهيّ، ويؤيد هذا التأويل قوله: "إن الناس قد شق عليهم الصيام".

الثالث: في حديث أبي سعيد أمور منها: أن فيه ردًّا على من يقول: إنه إذا أنشأ السفر في رمضان لم يَجُز له أن يُفطر، واحتجوا بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (١).

وقال البخاري: ومعنى الآية شهود الشهر كله ومن شهد بعضه ولم يشهد كله فإنه لم يشهد الشهر. ومنها قال القاضي: فيه بيان جواز الفطر لمن بيَّت الصوم في السفر. وهو قول مطرف من أصحابنا واحد قولي الشافعي خلافًا للجمهور في أن ذلك لا يباح له، واستدل هؤلاء على جواز ذلك بفطر النبي - عليه السلام -.

وأجاب الجمهور عن ذلك أنه يحتمل أن يكون - عليه السلام - قد بيَّت الفطر.

وقال القاضي: وظاهره غير ذلك، وأنه ابتدأ الفطر حينئذٍ، وقد يحتمل أنه للضرورة اللاحقة به وبهم، والشقة التي نالتهم، أو فعل هو وهم ذلك لضرورة


(١) البقرة، آية: [١٨٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>