فقالوا: نعم". فتكلموا صريحًا، "وقد كان يمكنهم أن يومئوا" أي: أن يشيروا برأسهم "إليه" أي: إلى النبي - عليه السلام - "فيعلمه منهم" أي: فيعلم النبي - عليه السلام - ما سأله "منهم" أي: من الصحابة، ومع هذا هم كلموا النبي - عليه السلام - بالذي كلموه به مع علمهم أنهم في الصلاة ولم يخرجوا منها بعد، "فلم ينكر" النبي - عليه السلام - "ذلك" أي: كلامهم بقولهم: "نعم"، ولم يأمرهم بإعادة صلاتهم، فدل ذلك كله أن ما ذكر في حديث ذي اليدين كان حين كان الكلام مباحًا، وأن الكلام ما حرم فيها إلا بعده، فحينئذ يكون حديث ذي اليدين منسوخًا.
ص: فإن قال قائل: فكيف يجوز أن يكون هلما قبل نسخ الكلام في الصلاة وأبو هريرة - رضي الله عنه - قد كان حاضرًا ذلك، وإسلام أبي هريرة إنما كان قبل وفاة النبي - عليه السلام - بثلاث سنين؟ وذُكِر في ذلك ما حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا القواريري، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: أتينا أبا هريرة فقلنا: حدثنا! فقال: "صحبت النبي - عليه السلام - ثلاث سنين" قالوا: فأبو هريرة إنما صحب رسول الله - عليه السلام - ثلاث سنين، وهو حضر تلك الصلاة، ونسخ الكلام في الصلاة كان والنبي - عليه السلام - بمكة، فدل ذلك على أن ما كان في حديث ذي اليدين من الكلام في الصلاة مما لم ينسخ بنسخ الكلام في الصلاة إذ كان متأخرًا، عن ذلك.
قيل له: أما ما ذكرت من وقت إسلام أبي هريرة فهو كما ذكرت، وأما قولك: إن نسخ الكلام في الصلاة كان والنبي - عليه السلام - يومئذ بمكة فمن روى لك هذا وأنت لا تحتج إلا بمسند ولا تسوغ خصمك الحجة عليك إلا بمثله؟ فمن أسند لك هذا وعن من رويته؟ وهذا زيد بن أرقم الأنصاري - رضي الله عنه - يقول: "إنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}(١) فأمرنا بالسكوت، وقد روينا عنه في غير هذا الموضع من كتابنا، هذا وصحبة زيد لرسول الله - عليه السلام - إنما كانت بالمدينة، فقد