للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنَ الصَّلَاةِ} (١)، قالوا: فذلك على الرخصة من الله -عز وجل- لهم في التقصير لا على الحَتْم عليهم بذلك، وهي كما في قوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} (٢) فذلك على التوسعة منه لهم في المراجعة لا على إيجاب ذلك عليهم، فكان من حجتنا عليهم لأهل المقالة الأخرى أن هذا اللفظ قد يكون على ما ذكروا وقد يكون على غير ذلك، قال الله -عز وجل-: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (٣) وذلك على الحتم عند جميع العلماء؛ لأنه ليس حجَّ أو اعتمر مَنْ لا يطوف بهما، فلما كان نفي الجناح قد يكون على التخيير وقد يكون على الإيجاب؛ لم يكن لأحد أن يَحْمل ذلك على أحد المعنيين دون الآخر إلا بدليلٍ عليه من كتاب الله أو سنة أو إجماع.

ش: بيان احتجاج أهل المقالة الأولى بالآية الكريمة المذكورة في حديث يعلى بن منية هو أن قوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} (١) دليل الرخصة؛ لأن لفظة: "لا جناح" تستعمل في المباحات والرُّخص دون الفرائض والعزائم، وذلك كما في قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} (٤) فإن ذلك أيضًا على التوسعة والإباحة في المراجعة لا على الإيجاب واللزوم.

وأشار إلى الجواب عن ذلك بقوله: "فكان من حجتنا عليهم" أي على أهل المقالة الأولى لأهل المقالة الثانية، وتقريره أن يقال: لا نُسلِّم أن لفظة: "لا جناح" تستعمل في المباحات دائمًا، وإنما هي تستعمل في الإباحة، وتستعمل في الإيجاب أيضًا كما في قوله تعالى: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (٣)، فإن ذلك على الحتم والإيجاب عند جميع العلماء؛ لأنه ليس


(١) سورة النساء، آية: [١٠١].
(٢) سورة البقرة، آية: [٢٣٠].
(٣) سورة البقرة، آية [١٥٨].
(٤) سورة البقرة، آية: [٢٣٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>