للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشافعي إلى أن وقت الوجوب أوله، وإنما ضرب آخره فصلًا بين الأداء والقضاء، ويُعَارَض هؤلاء بأن التأثيم يتعلق بترك الواجب، ولا يؤثم أحد تارك الصلاة لأول الوقت، وذهب الحنفية إلى أن الوجوب متعلق بآخره، ويُعارَض هؤلاء بالإجماع إلى جواز الصلاة لأول الوقت. وسقوطها عمن صلاها حينئذ ولو كانت لم تجب؛ لم تجزئ كما لا تجزئ قبل الوقت انتهى.

قلت: مذهب الحنفية ليس كما ذكره، وإنما عندهم أن الوجوب يتعلق بكل الوقت، ولكن لا يتعين منه إلا الجزء الذي يتصل به الأداء، فإن اتصل الأداء بالجزء الأول كان هو السبب، وإلا تنتقل السببية إلى الجزء الثاني، ثم إلى الثالث، ثم ... وثم ... إلى آخر جزء من أجزاء الوقت بحيث يتمكن من عقد التجزئة فتتعين السببية فيه ضرورة أنه لم يبق من الأجزاء ما يحتمل انتقال السببية إليه فيعتبر حال المكلف في الإسلام والبلوغ والعقل والجنون والسفر والإقامة والطهر والحيض عند ذلك الجزء في حدوث العوارض المذكورة، حتى لو أسلم الكافر أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو طهرت الحائض في آخر الجزء تكره الصلاة عندنا خلافًا لزفر فإن عنده تنتقل السببية من جزء إلى جزء إلى أن يتضيق الوقت بحيث يتمكن المكلف من الأداء، حتى لا يجب على هؤلاء شيء عنده ما لم يجدوا وقتًا تسع فيه حقيقة الأداء.

ثم حديث أبي هريرة قد ذكره الطحاوي في هذا الباب مرتين غير هذا بهذا الإسناد بعينه، ولكنه قَطَّع حديثه؛ تطبيقًا للدليل على المدعى واقتصارًا عليه، وكذلك ذكر حديث عبد الله بن عمرو في هذا الباب بعينه بهذا الإسناد، وقد بينا رجالهما ومن أخرجهما من أصحاب السنن هناك.

ص: وقد روى في ذلك أيضًا ما يدل على ذلك.

حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا الحسن بن عمر بن شقيق، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن الحكم، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "مكثنا ذات ليلة ننتظر النبي - عليه السلام - لصلاة العشاء الآخرة، فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل -أو

<<  <  ج: ص:  >  >>