للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول: أن يكون قد صلاها بعد إنتهاء ظل كل شيء مثله؛ فيكون وقت صيرورة ظل كل شيء مثله وقتًا للظهر بعد.

والثاني: يحتمل أن يكون المراد أنه صلاها على قرب صيرورة ظل كل شيء مثله، فحينئذٍ يخرج وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثله، وهذا ظاهر.

ثم أيَّد صحة هذا الاحتمال بقوله: "وهذا جائز في اللغة" يعني ذكر الشيء، والمراد منه: ما يقرب منه لا حقيقة ذلك الشيء، وذلك نحو قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (١) فإن المراد منه: إذا قربن بلوغ أجلهن وشارفن منتهى عدتهن، وليس المراد حقيقة بلوغ الأجل الذي هو العدة؛ لأن بعد إنتهاء العدة تَبِينُ المرأة عنه ويحرم عليه بعد ذلك إمساكها؛ لأنها غير زوجة له حينئذٍ، وفي غير عدة منه، فلا يبقى له سبيل عليها، فَعُلِمَ أن المراد: إذا شارفن وقربن بلوغ العدة أمسكوهن بمعروف بأن يُرَاجَعْن من غير طلب ضرار بالمراجعة، أو سرحوهن حتى تنقضي عدتهن، وبيَّن من غير ضرار.

ثم أكثر ما ذكره من التأويل والتوجيه بثلاثة أشياء:

الأول: أن الصحابة - رضي الله عنهم - الذين ذكروا عن النبي - عليه السلام - أنه صلى الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله ثم قال - عليه السلام -: "ما بين هذين وقت"، فمن المحال والمستبعد أن يكون ما بينهما وقت والحال أنه جمعهما في وقت واحد، فَعُلم أن المراد: أنه صلى الظهر في اليوم الثاني على شرف صيرورة ظل كل شيء مثله، وعلى قرب منها.

الثاني: أن حديث أبي موسى لا يصح دليلًا على ذلك؛ لأنه أخبر عن صلاته - عليه السلام - في اليوم الثاني بقوله: "ثم أخّر الظهر حتى كان قريبًا من العصر" أنه إنما صلاها في ذلك اليوم في قرب دخول وقت العصر لا في وقت العصر، فثبت بذلك أن ما بعد ذلك صيرورة ظل كل شيء مثله وقت للعصرة فمحال ومستبعد أن يكون ذلك وقتًا للظهر.


(١) سورة البقرة، آية: [٢٣١].

<<  <  ج: ص:  >  >>