أبا عبد الله يقول: آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر. قال لي ذلك غير مرة، وسمعته يقول: آخر وقت العصر تغير الشمس. قيل له: ولا تقول بالمثل والمثلين؟ قال: لا؛ هذا أكثر عندي.
وقال إسحاق بن راهويه: آخر وقت العصر أن يدرك المصلي منها ركعة قبل الغروب -وهو قول داود- لكل الناس، معذور وغير معذور، والأفضل عندهما أول الوقت.
الثالث: يستفاد منه أن أول وقت المغرب غروب الشمس، وهذا لا خلاف فيه، وأما آخره فقد اختلفوا فيه؛ فقال أصحابنا: حتى يغيب الشفق، وقال الشافعي: وقتها ما يتطهر الإنسان ويؤذن ويقيم ويصلي ثلاث ركعات، حتى لو صلاها بعد ذلك تكون قضاء لا أداءً؛ لحديث إمامة جبريل - عليه السلام - أنه صلى المغرب في اليومين في وقت واحد.
وقال أبو عمر: الظاهر في قول مالك أن وقت المغرب وقت واحد عند مغيب الشمس، وبهذا تواترت الروايات عنه، إلا أنه قال في "الموطأ": إذا غاب الشفق فقد خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء.
وبهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن والحسن بن حَيّ وأحمد وإسحاق وأبو ثور والطبري وداود، واحتجوا بحديث أبي موسى وغيره:"أن النبي - عليه السلام - صلى بالسائل المغرب في اليوم الثاني فأخّر حتى إذا كان عند سقوط الشفق" قالوا: وهذه الآثار أولى من أخبار إمامة جبريل - عليه السلام -؛ لأنها متأخرة بالمدينة، وإمامة جبريل بمكة، والمتأخر أولى من فعله وأمره - عليه السلام -؛ لأنه ناسخ لما قبله.
قلت: أجاب صاحب "البدائع" عن حديث إمامة جبريل - عليه السلام - أنه إنما لم يؤخر المغرب عن أول الغروب في اليومين لأن التأخير عن أول الغروب مكروه إلا لعذر، وإنه جاء ليعلمه المباح من الأوقات، ألا ترى أنه لم يؤخر العصر إلى الغروب مع بقاء