الاختيار، ولا يجوز أن يقال: قد فاته وقت العصر مطلقًا، كما جاز على الذي أخر الظهر إلى أن جاوز ظل كل شيء مثله.
قال: وإنما قلت ذلك؛ لحديث أبي هريرة، عن النبي - عليه السلام -: "من أدرك ركعة من العصر قبل غروب الشمس فقد أدركها".
قال أبو عمر: قول الشافعي ها هنا في وقت الظهر يمنع الاشتراك بينها وبين العصر في ظاهر كلامه، وهو شيء ينقضه ما بنى عليه مذهبه في الحائض تطهر، والمغمى عليه يُفيق، والكافر يسلم، والصبي يحتلم؛ لأنه يوجب على كل واحد منهم إذا أدرك ركعة واحدة قبل الغروب؛ الظهر والعصر جميعًا، وفي بعض أقاويله: إذا أدرك هؤلاء مقدار تكبيرة واحدة قبل الغروب لزمهم الظهر والعصر جميعًا، وكيف يَسوغ لمن هذا مذهبه أن يقول: الظهر يفوت فواتًا صحيحًا بمجاوزة ظل كل شيء مثله أكثر من ذوات العصر بمجاوزة ظل كل شيء مثليه؟!
وأما قوله في وقت العصر: إذا جاوز ظل كل شيء مثليه فقد جاوز وقت الاختيار؛ (فهذا أيضًا شيء لا هو ولا غيره من العلماء)(١) يقولون: من صلى العصر والشمس بيضاء نَقِيَّة؛ فقد صلاها في وقتها المختار، لا أعلمهم يختلفون في ذلك، وقول أبي ثور في أول وقت العصر كقول الشافعي، وهو قول داود.
وقال أبو عمر: وأما قول الشافعي وأبي ثور في أن وقت العصر لا يدخل إلا أن يزيد الظل على القامة زيادة تظهر فمخالف لحديث إمامة جبريل - عليه السلام -؛ لأن حديث إمامة جبريل - عليه السلام - يقتضي أن يكون آخر وقت الظهر وهو أول وقت العصر بلا فصل، ولكنه مأخوذ من حديث أبي قتادة، عن النبي - عليه السلام - أنه قال:"إنما التفريط على مَنْ لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى" وقال أحمد بن حنبل في هذه المسألة مثل قول الشافعي أيضًا فيما حكاه الخرقي عنه، وأما الأثرم فقال: سمعت
(١) كذا في "الأصل، ك، ح"، والذي في "التمهيد" لابن عبد البر (٣/ ٢٧٨): "فهذا أيضًا فيه شيء؛ لأن هو وغيره من العلماء".